لما جمال العبسه : إدارة ترامب وتحديات 2025 الاقتصادية
ليس فقط على صعيد المواقف السياسية والدبلوماسية لعودة الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الابيض بعد اسبوعين تقريبا، لكن هناك أبعاد اقتصادية ذات تأثيرات على سير الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأربع المقبلة، خاصة وان ترامب قبل تنصيبه حتى قبل فوزه في الانتخابات كان قد اعد لائحة لما يجب القيام به فور تنصيبه رئيسا.
في ولايته الاولى اتخذ من «امريكا اولا» شعارا داس على كثير من القيم التجارية و المبادئ الاقتصادية والعهود الدولية لاجل تحقيق هذا الشعار من وجهة نظره، وتعامل مع الولايات المتحدة كشركة عظيمة ومع دول العالم كأتباع وموظفين لدى هذه الشركة، وكانت لسياساته المتعددة والمختلفة الاتجاهات تأثيرات لازال العالم يعاني منها اقتصاديا، بالمقابل انتهج ترامب في ولايته الاولى التخلص من كل ما قد يكلف الخزينة الامريكية اموالا ومبالغ يرى فيها انها لا تخدم الهيمنة الامريكية على العالم والتي يرى انها يجب ان تتركز في الهيمنة الاقتصادية والمالية والسياسات التجارية، وان ما دونها كالحروب والنزاعات المسلحة انما هي استنزاف غير مبرر للقدرات الامريكية.
ضمن هذا الاطار فإن من الصعب التكهن في كيفية ادارة هذا الجانب من قبل ترامب، حتى ان رسم صورة ولو اولية او وجود تكهنات قد تصيب او تكون مفتاحا لتوقعات شكل الاقتصاد العالمي امر صعب للغاية حتى يتولى ترامب عهدته الرئاسية الجديدة، الا ان التوقعات تنحسر في ان يقوم الرجل بتقويض جبهات الحرب التي فتحتها الادارة الامريكية الحالية في جبهات متعددة استنزفت من خلالها موارد الدولة كما انها ضيعت العديد من الفرص لترتيب البيت الداخلي الامريكي وتقوية اقتصاده وزيادة نفوذه عالميا، حيث يرى ترامب ان هذه الادارة غيبت قوة الولايات المتحدة الاقتصادية وضيقت نفوذها العالمي، مدللا على ذلك بالكيانات الاقتصادية العالمية التي استطاعت خلال السنوات الاربعة الماضية ان تستحوذ على الكثير وان تغير نوعا ما من بوصلة الاقتصاد العالمي تحت النفوذ الامريكي.
كما يرى البعض ان الادارة الامريكية الجديدة بهذا التركيز ستفتح المجال واسعا اماما دول كالصين والهند وروسيا لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي ايضا، بمعنى ان الجميع ينتظر التعامل مع ادارة تؤمن تماما بمبدأ الصفقات التجارية ومقدار الربح والمشاريع ذات المردود المالي المباشر والكبير، مما يتيح الفرصة امام الكثير من دول العالم على التوجه للحديث مع هذه الادارة بمنظق الصفقات.
وكلنا يتذكر تماما قرارات هذا الرجل غير المتوقعة والتي تؤثر بشكل مباشر على خطط التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، فقد توجه نحو حلف الناتو وقلل من اهميته على اعتبار انه استنزاف للموارد المالية وخلق حروب لا طائل منها، وفي ذلك الوقت تأثرت اسواق المال العالمية بشكل سلبي كبير، وليس مستبعدا ان يتم تقويض الدور الامريكي الرئيسي في الحلف خاصة مع رغبته في انهاء الحرب الروسية الاوكرانية بشكل سريع.
أما سياساته التجارية فكانت تجلياتها ما عُرف في فترة ولايته الاولى باسم «الحرب التجارية العالمية» وكانت تدور رحاها ما بين امريكا والصين، وانتهجت ادارة ترامب الاولى بتقويض التجارة من الصين الى امريكا التي تعد اكبر سوق استهلاكي في العالم بعد ان فرض تعريفات جمركية كبيرة جدا على صادراتها الى امريكا، وخلال معركته الانتخابية هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية على الصين تصل الى 60%، كما قال انه سيرفع التعرفة الجمركية على السلع المكسيكية والكندية بنسبة 25%، ليدخل الاقتصاد العالمي دوامة جديدة تثقل بالنهاية على الاستهلاك العالمي، وذلك ليس فقط من خلال رفع الاسعار في السوق الامريكي بل والحاق الضرر بسلاسل التوريد العالمية، اي الدخول في مرحلة عدم استقرار على صعيد الاقتصاد العالمي من جديد.
أما الحروب الجيوسياسية فبعضها قد تحسمه ادارة ترامب الجديدة مثل الحرب الروسية الاوكرانية التي من المتوقع ان تقوم هذه الادارة بقطع الامدادات العسكرية عن كييف لاجبارها للخروج بحل سلمي مع روسيا، فيما الصورة لاتزال ضبابية بشأن الحرب الصهيوامريكية على قطاع غزة مع التخوف من وعود ترامب بمنح الضفة الغربية لدولة الكيان الصهيوني واستمرار العدوان الصهيوني على سوريا ولبنان.
وهناك الكثير من الامور الفرعية...لكن السؤال المطروح هل ستأخذ ادارة ترامب بعين الاعتبار توسيع منظورها لترى بوضوح ان الاقتصاد العالمي يحتاج لجملة سياسات واستراتيجيات مبتكرة للمحافظة على استقراره؟!
ــ الدستور