الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : يتجمدون

اسماعيل الشريف يكتب : يتجمدون
أخبارنا :  

«نحنُ الأطفال، لا نعرف لماذا السماءُ تُطلقُ نارَها علينا، لكننا نحمل حقائبنا، ونرسم الشمس بلون أبيض، لأنها لم تشرق بعد.» – خالد جمعة في عتمة الشتاء القارس، وتحت وطأة الحصار الصهيوني الخانق، تصرخ غزة بآلامها لتخترق صمت الليل، فيما تتسلل الأرواح البريئة بهدوء إلى بارئها.

ثلاث أرواح صغيرة ارتقت، لعائلات تشردت كأوراق خريف في مهب الريح، محرومة من دفء الحياة وأبسط مقومات البقاء. مشهد مأساوي يصور بجلاء واقع أهل غزة؛ حيث القنابل تقتلهم بصخب مدوٍ، والجوع والبرد ينفذان إليهم بصمت قاتل.

هل تُصدق أننا، ونحن على مشارف إنهاء الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، نشهد وفاة طفلة لم تتجاوز ثلاثة أسابيع من عمرها؟ «سيلا محمود الفصيح» تموت تجمدا في مخيم المواصي جنوب غزة، في لحظة تضيف إلى سجلٍ مليءٍ بالعار الإنساني، شاهدةً على مأساة تطحن أهل غزة بصمت.

محمود، والدها المفجوع، استيقظ في صباح قاتم ليجد ابنته الصغيرة قد اكتست بالزرقة، والدم يسيل من فمها الطاهر. قضت ليلتها الأخيرة في خيمة عاجزة عن صد الصقيع. مشهدٌ مهول مزّق قلبه وأسدل الستار على حياة لم تبدأ بعد.

الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم طب الأطفال والتوليد في مستشفى ناصر بخان يونس، قال بأسى: «سيلا كانت طفلة بصحة جيدة عند ولادتها، لكن البرد القارس كان أشرس من قدرة جسدها الصغير على المقاومة. درجات الحرارة المنخفضة قضت على مقاومتها الضعيفة، ليكون الموت هو النهاية الحتمية.»

سيلا ليست مجرد رقم؛ هي قصة طفولة أجهضتها الصهيونية، وصرخة منسية في وجه العالم الصامت.

في تلك البقعة الصغيرة التي تآمر عليها العالم، تستمر أزمة إنسانية تكاد لا تنتهي. في غزة، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من عشر درجات مئوية، يكافح قرابة مليون فلسطيني من أجل البقاء بلا مأوى يحميهم من البرد القارس أو إمدادات شتوية تقيهم من الهلاك.

تشير تقارير منظمة المأوى إلى أن 23% فقط من احتياجات أهالي غزة قد تم تلبيتها، تاركة آلاف الأسر تواجه مصيراً قاسياً بين الجوع والصقيع. في ظل هذا النقص الحاد، تبدو المساعدات غير كافية لتوفير أدنى متطلبات الحياة، بينما يعاني الأطفال والشيوخ من برد ينخر العظام وجوع ينهش الأجساد.

مأساة سيلا ليست وحيدة؛ فقد رافقها رحيل طفلين آخرين، أحدهما لم يتجاوز ثلاثة أيام من عمره، والآخر لم يكمل شهره الأول.

في غزة، حيث تعمل أقل من 20% فقط من وحدات رعاية الأطفال حديثي الولادة، تضيق فرص النجاة أمام الصغار الأكثر ضعفًا. نقص حاد في أجهزة التنفس والإمدادات الطبية يجعل مهمة الأطباء أشبه بمعجزة مستحيلة، إذ يُجبرون على اتخاذ قرارات قاسية تمنح الأولوية لحالات معدودة، بينما يُترك الآخرون لمصيرهم المحتوم.

بقية مقال إسماعيل الشريف

يتجمدون

عزيزي القارئ، وأنت تضم أطفالك تحت غطاءٍ دافئ، وتشعل وسيلة التدفئة التي تمكنت من توفيرها، تذكر أن هناك أهلاً لنا يموت أطفالهم برداً، بالمعنى الحرفي للكلمة. لا تدع مأساتهم تغيب عن وجدانك؛ اجعلهم في قلب عطائك. ساهم بما تستطيع، وكن جزءاً من عشرات حملات الإغاثة التي قد تكون طوق نجاة لهم. دفء عطائك قد ينقذ حياةً ويعيد الحرارة إلى وجوهٍ ذبلت من قسوة البرد.

على العالم أن يتذكر أن جوهر الإنسانية يكمن في الحفاظ على الأرواح البريئة، وأن كل حياة تُزهق هي وصمة عار في جبين الضمير البشري. الصمت الدولي ليس حيادًا، بل هو تواطؤ غير مباشر في جرائم تُرتكب بحق من لا حول لهم ولا قوة. فالإنسانية ليست مجرد كلمة نضعها في المواثيق الدولية؛ بل فعلٌ ومسؤولية يجب أن تُترجم إلى تضامن حقيقي وإنقاذٍ فوري.

مواضيع قد تهمك