بشار جرار : المكتوب السوري عنواناً وغلافاً
في زمان العولمة والرقمنة، ما عاد «المكتوب باين من عنوانه»، للغلاف وأشياء أخرى سآتي على ذكرها تصريحا وتلميحا، لها جميعا القدرة على كشف ليس المكتوب وحده، بل المستور أيضا.
بداية، لا بد من الإنصاف بالإقرار أنه من مجافاة الحقيقة لا العدل فقط، الحكم على مستقبل «الثورة» أو «التحرير» في بضعة أيام وقد حكمت مجريات الأحداث في سورية عقود ثقيلة دامية فضلا عما يتصل بتلك الأحداث من حبائل إقليمية وخيوط دولية عنكبوتية في تعقيداتها، لا وهن بيوتها!
بصرف النظر عن السجال الذي سيحسمه التاريخ عن حقيقة ما جرى في «عشرة أيام هزت العالم» في نسخة محدّثة، مسرحها سورية لا روسيا هذه المرة، فإن ما سقط لم يكن القيصر بل «الأسد» برمزيته المستحقة أم المزعومة لا فرق، من حيث النتائج الكارثية المترتبة على إزاحته وإخراجه عنوة أو طواعية من المشهد السوري والإقليمي على هذا النحو الغامض أو المحرج، حتى لا أسرف في تسمية الأمور بمسمياتها.
قد يدعو داع إلى غض النظر وربما البصر، والتجاوز عن مؤشرات مقلقة هنا وهناك حول طبيعة المرحلة المقبلة، لكنه من الواضح أنها تبدأ من الصفر، وفي أحايين أخرى من تحت الصفر وما دون مستوى البحر المتوسط!
الضربات العسكرية الإسرائيلية وصفت بأنها «أكبر عملية في تاريخ إسرائيل» وقد كان كثيرون ومنهم «محور المقاومة والممانعة» يرون مقدمة أتية لا محالة ليوم «المنازلة الكبرى» التي كُلّفَت «المصدات» إشغال إسرائيل لتفاديه ريثما تمتلك إيران قنبلتها النووية..
من الواضح والمؤسف، أن سيناريو سقوط أو إسقاط الجناح الشرقي للبعث بشعاره «أمة عربية واحدة-ذات رسالة خالدة» من الواضح أنه قد بدأ باستخدام «عربة التاريخ» المصطلح الذي نحته آخر وزراء إعلام العراق -عراق البعث وصدام، محمد سعيد الصحّاف رحمهما الله، بعد سقوط بغداد بينما كان ينفي بشدة تحقيق من وصفهم «العلوج» لمآربهم، ليراهن أن تلك «العربة» ستفسر ما جرى وما هو آت.
مليارات الدولارات التي حرمت سورية مواطنين ولاجئين ووافدين من خيراتها، كانت تنفق قبل ستة عقود من حكم البعث بجناحيه المتناحرين، على التسليح والدفاع والأمن -هكذا زعم كثيرون منذ «النكبة والنكسة»، وها هي الآن تدمّر بأكثر من ثلاثمة غارة في مرابضها ومخازنها، والقضاء التام على أسطول سورية البحري دون المس بقاعدة حميميم التي كانت روسيا بالتزامن مع بدء «العمليات العسكرية للمعارضة» قد أعلنت عن «تدريبات» رُصدت قبلها وبعدها إخلاءات روسية بحرا وجوا.
«بالمال ولا بالعيال» مقولة سقطت أيضا في عُرف تعزية الذات أو «الضحك على الذقون»! فاستهداف عالِم من العلماء الحقيقيين وليس مدّعي العلوم والمعارف، هذا الاستهداف بدأ بقامة علمية باسقة في الكيمياء الحيوية. الاغتيال إن وقف عنده وعند ابن العلاّمة محمد سعيد البوطي رحمه الله -السوريّ الكردي- قد يشير إلى جهة واحدة أو جبهات لجهة واحدة حتى وإن أنكرت تنسيقها. هذا الواقع المدان لا يشي فقط بدناءة الثأرية والإجرام، بل يتعمد «تصفير» بلد لا تحريره أو «تصفير الأزمات» بين إدراتي جو بايدن ودونالد ترامب الذي وصف ما يجري بأنه «فوضى» على واشنطن ألا يكون لها فيها أي دور أو حتى «صلة».
من حسن الحظ، أن الرئيس بايدن لم يأخذ بهذه النصيحة وبادر إلى الاتصال مع قادة المنطقة مستهلا الجهد الدولي والإقليمي بسيدنا وقائدنا الأعلى جل الة الملك عبدالله الثاني الذي مرة أخرى، مرة بعد مرة، تظهر الأحداث حكمته وحنكته وقبل هذا وذاك محبته الصادقة لكل ما هو خيّر.
سوريانا الحبيبة تعنينا في الصميم وأكثر من غيرنا. فالأردن أكثر المؤهلين لتضميد جروح وجراح سورية والسوريين في الوطن والمهجر وديار اللجوء والنزوح. القصة ليست مشاريع إعادة الإعمار وإعادة التأهيل، القضية قضية الإبقاء على الدولة والوطن عصيا على الاختراق من الداخل أو الخارج، تحت أي يافطة أو لافتة!
لا ينبغى أن تلتفت الأنظار عن حقائق موضوعية فيزيائية كالفراغ وخطر التفجير كما القنابل الفراغية ، بصرف النظر عن زرعها في الداخل أو إسقاطها أو دسها من الخارج. القضية الأولى هي علاج الداء من أساسه حتى لا تصل الأمور إلى المقولة اليائسة البائسة «فالج لا تعالج»، فالطب الحديث -بفضل من الله وحده، الشافي سبحانه- قادر على تفادي الجلطات والتخفيف من آثارها إن تم التدخل السريع في أوانه وحسب الأصول. الأولوية الآن لوقف النزيف والإسعاف، والمكتوب كان واضحا من غلافه وما يجري الآن مجرد توالي حروف عنوانه التي يوما ما ستصل إلى رفع اللثام وإسقاط القناع عن المؤلف والطابع والناشر والمسوّق تباعا -بمقتضى الظروف- لا دفعة واحدة! ــ الدستور