د. محمد العرب : الأسلحة المناخية: كابوس المستقبل أم خرافة؟
في زاوية غامضة من العالم العلمي، يُثار النقاش حول فكرة تبدو كأنها وليدة روايات الخيال العلمي..!
انها التحكم في المناخ واستخدامه كسلاح ، لكن هذه الفكرة التي قد تبدو للبعض مبالغة أو حتى خرافة، تحمل بين جنباتها سجلاً مليئاً بالأسئلة والتكهنات التي لا يمكن تجاهلها ومع تزايد الحديث عن التغيرات المناخية العالمية، والقدرة البشرية المتزايدة على التأثير في النظم الطبيعية، أصبح من الضروري تسليط الضوء على هذه القضية التي تحمل في طياتها مزيجاً من الاحتمالات العلمية، والجدل الأخلاقي، ونظريات المؤامرة !
تاريخياً كان حلم العسكريين استغلال الظواهر الطبيعية لتحقيق مكاسب استراتيجية ، في العصور القديمة لجأت بعض الثقافات إلى طقوس السحر لاستدعاء الأمطار أو التسبب بالجفاف، لكن هذه المحاولات كانت بعيدة كل البعد عن التأثير الحقيقي. مع الثورة العلمية في القرن العشرين، تغيرت القصة وأصبح الإنسان قادراً على تقسيم الذرة، إرسال المركبات إلى الفضاء، والوصول إلى أعماق المحيطات وهذه الإنجازات جعلت من التحكم في المناخ هدفاً محتملاً للبشرية، خصوصاً مع التقدم السريع في دراسة الغلاف الجوي والظواهر المناخية.
نظاما HAARP و SURA هما محور الجدل في هذا السياق ، بدأ بناء HAARP وهو مشروع أمريكي يقع في ولاية ألاسكا، في التسعينيات ويغطي مساحة 13 هكتاراً ويتكون المشروع من مجموعة ضخمة من الهوائيات مصممة لدراسة الغلاف الجوي المتأين، وهي الطبقة التي تحدث فيها العديد من الظواهر الجوية والمشروع حظي بتمويل مشترك من البحرية والقوات الجوية الأمريكية بالإضافة إلى وكالة DARPA للأبحاث الدفاعية المتقدمة، مما أثار تساؤلات حول الغايات الحقيقية له.
أما مشروع SURA الذي تم تطويره في روسيا بالقرب من نيجني نوفغورود، فهو مشروع أصغر حجماً وأقل شهرة ويشير بعض الخبراء إلى أن SURA هو الرد الروسي على HAARP، ويعمل على دراسة التأثيرات الكهرومغناطيسية في الغلاف الجوي ، ورغم أن الغرض المعلن لكلا المشروعين علمي، إلا أن ارتباطهما بالمؤسسات العسكرية زاد من حالة الغموض المحيطة بهما.
في عام 2005، اتهم العالم الأمريكي سكوت ستيفينس روسيا باستخدام SURA للتسبب بإعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة، متسبباً في أضرار تقدر بـ125 مليار دولار ووفاة أكثر من 1800 شخص وهذه الادعاءات رغم أنها تفتقر إلى دليل قاطع، أضافت طبقة جديدة من الشكوك حول إمكانية استخدام هذه الأنظمة كسلاح مناخي .!
الادعاءات لم تتوقف عند روسيا وحدها ، فبعض النظريات تشير إلى أن HAARP قادر على التسبب بكوارث طبيعية، مثل الزلازل والأعاصير، وحتى التأثير على عقول البشر. ومع ذلك، فإن العلم المتاح حالياً لا يقدم دليلاً قاطعاً على صحة هذه المزاعم.
ما نعرفه هو أن الإنسان قد تمكن من التأثير على الطقس بشكل محدود. تقنيات استمطار السحب، على سبيل المثال، تُستخدم في بعض الدول لزيادة الأمطار. في الصين، تم استخدام هذه التقنية خلال الألعاب الأولمبية عام 2008 للسيطرة على الطقس في بكين. ومع ذلك، فإن توسيع نطاق هذا التأثير ليشمل تغييرات مناخية على مستوى عالمي يتطلب موارد ضخمة ومعرفة دقيقة بالنظم الطبيعية المعقدة، وهي أمور ما زالت بعيدة المنال.
الحديث عن الأسلحة المناخية ليس مجرد تخمين. اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1977، التي تُعرف باتفاقية ENMOD ، حظرت استخدام تقنيات تعديل البيئة للأغراض العسكرية، مما يعكس قلق المجتمع الدولي من احتمالية تطوير مثل هذه الأسلحة. لكن غياب الشفافية حول المشاريع مثل HAARP و SURA يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان هذا الحظر يتم احترامه فعلاً.
في النهاية، تبقى الأسئلة حول الأسلحة المناخية مفتوحة. إذا كانت هذه الأسلحة موجودة بالفعل، فإن البشرية تقف أمام تهديد غير مسبوق قد يتجاوز في خطورته كل أشكال أسلحة الدمار الشامل المعروفة. وإذا كانت هذه الفكرة مجرد وهم، فإن الغموض والسرية المحيطة بالمشاريع البحثية في هذا المجال تستمر في تأجيج نظريات المؤامرة والقلق العالمي. ــ الدستور