د. احمد يعقوب مجدوبة : : أبعاد تربوية شبه مُهملة!
منذ مدة والحديث حول الوضع في المدارس، والحكومية منها بالذات، ينصبُّ على «المناهج»؛ ونضع كلمة «المناهج» بين علامات تنصيص لأن معظم ما يقال يدور حول جزء من المناهج، لا المناهج كلها؛ ونعني بذلك الكتب المدرسية.
والحديث عن الكتب وعن المناهج، كعنصرين أساسيين من العملية التربوية، أمرٌ مهم، لكن اختزال المناهج بالكتب واختزال التربية بالمناهج أمر غير سليم.
وغير سليم أيضاً اختزال القطاع التربوي بالمدارس الحكومية، ونسيان أو تناسي المدارس الخاصة والتي هي جزء من المنظومة.
قبل سنوات كان الاهتمام مُنصباً على أساليب التدريس، وقبل ذلك على التعليم والتكنولوجيا؛ وسبق ذلك أحاديث عن وضع المعلم، وعن البيئة المدرسية، وعن البنى التحتية، إلخ.
ولا شك أنّ التركيز على جزء من المنظومة، أو أجزاء مبعثرة منها، وإصلاحه أفضل من تركه على علاّته. لكن الأجدر والأنجع والأنجح هو التركيز على العناصر مُجتمعة؛ إذ لن تتطور المنظومة إذا لم تُعالج الإشكالات والتحديات كافة.
بَيْدَ أن النقطة التي نودّ تسليط الضوء عليها، على عجالة، أن هنالك أبعاداً للعملية التربوية شبه مُهمَلة: مهملة في المنظومة ذاتها، ومهملة في الحديث عن المنظومة.
وهي كثيرة.
منها بعض العادات المُمَكِّنة للتعلم.
من أهمها الإصغاء للمتحدث، سواء في الدروس أو المحاضرات والندوات العامة. المُلاحَظ أنّ معظم طلبتنا عندهم فقر، لا بل عجز أحياناً في الإصغاء. فلا يحظى من يقف أمامهم للتحدث، سواء المعلم نفسه أو الضيف، بالدرجة الكافية من الإنصات أو الاستماع لفهم ما يقال بدقة.
لا نتحدث هنا عن الإصغاء لمدد طويلة. ولا نتحدث عن الإصغاء لمتحدثين مُملّين. فالبشر بطبعهم لا يتمتعون بجَلَد الإصغاء لمدد طويلة؛ ولا يشدهم المتحدثون المُملّون.
نتحدث عن الإصغاء لدقائق ولمتحدثين مؤهلين.
هذه مشكلة يعاني منها معظم طلبتنا، لا أقلية منهم؛ وهي مشكلة مُركّبة لأن التعلم، ومن بعده التطور والاحتراف، يبدأ بالإصغاء. والإصغاء مهارة تواصلية أساسية.
ومنها كذلك التحضير للدرس مسبقاً. مهمٌ أن يأتي الطالب للصف مُحضِّراً المادة التي ستُعرض أو تناقش، ولو بتصفّحها بسرعة، حتى يكون في السياق عندما يتم العرض أو تتم المناقشة.
من الملاحظ أن معظم طلبتنا لا يُحضّرون، مع أن الموضوع المنوي مناقشته معروف لديهم، وأنهم يعلمون مسبقاً بضرورة التحضير.
يأتي معظمهم ليجلس «مستمعا»–«مستمعاً» بالطريقة التي تحدثنا عنها للتو.
وهذه أيضاً مشكلة لأنّ التعلم المبني على التحضير المُسبق أرسخ وأرصن وأعمق وأشمل من الذي لا يسبقه تحضير.
ومنها عادة النسخ واللصق في التقارير والمشاريع والبحوث بدل التأليف المراعي للأصول؛ واللجوء للغش في الامتحانات إذا لم تكن هنالك رقابة صارمة؛ وغياب الانتباه والتركيز اللازمين في سياقات التعلم....
هذه ليست قضايا بسيطة، كما قد يتبادر للذهن؛ وأكثر ما يخيف المرء انعكاسها على شخصية الطالب؛ ففرد لا يستمع جيداً، ولا يركز، ولا يراعي أعراف التعلم وآدابه، لن يكون بالضرورة المنتج التربوي الذي ننشد، والمتوقع منه المنافسة في سوق العمل والمساهمة في تطوّر المجتمع وتقدّمه.
ولعلّ هذه الإشكالات نتيجة طبيعية لإهمالنا الجانب التربوي، المنصبّ على العادات الحميدة والتوجهات الجادة، وتركيزنا أكثر على الجانب التعليمي، المُختزَل بحفظ المادة وترديدها وغيرها من مهارات أدنى. ــ الراي