الأخبار

د. جواهر الغويري : التَّعَلُّمُ الْغامِرُ

د. جواهر الغويري : التَّعَلُّمُ الْغامِرُ
أخبارنا :  

يَعيشُ العالَمُ في العَصْرِ الحاليِّ ثَورةً عالَميّةً وَتقنيّةً وَتكنولوجيّةً كبيرةً، أثّرتْ على جميعِ جوانبِ الحياةِ، وَلا سيَّما قِطاعُ التّعليمِ. وَقدْ ظَهرَتْ تقنيّاتٌ وتطبيقاتٌ أصبحَ فيها الوصولُ لأيّ معلومةٍ سَهلًا ومُيسّرًا؛ بفَضْلِ الأجهزةِ الذّكيّة مِنْ هواتفَ، وآيباد وغيرِها، واليومَ وفي ظلِّ المشهَدِ التّعليميِّ سريعِ التّطوّرِ، أصبحَ إنشاءُ خبراتٍ تعليميّةٍ غامرةٍ محوَراً أساسيًّا للمعلّمينَ ومُصمّمي التّعليمِ، ممّا يسمحُ للمتعلّمينَ بالتّفاعلِ معَ المُحتوى بطَريقةٍ أكثرَ تفاعليّةً وجاذبةً.

إنّ التّعلُّمَ الغامرَ هوَ أسلوبٌ تعليميٌّ، وتَعلُّمٌ يَدمِجُ التّكنولوجيا في العمليّةِ التّعليميّةِ، ممّا يوفّرُ بيئةً أكثرَ واقعيّةً وتحفيزًا للنُّموِّ، ويُعَدُّ التّعلُّمُ الغامرُ طريقةً فعّالةً للغايةِ للعديدِ مِنَ المتعلّمينَ؛ لتطويرِ مَعارفِهمْ ومَهاراتهِمْ، فهوَ يوفِّرُ مُحتوًى وَبيئاتٍ مُصطنَعةً ومُنشَأةً رقميًّا، تُحاكي بدِقّةٍ سيناريوهاتِ الحياةِ الواقعيّةِ، حَيثُ يُمكنُ تعلُّمُ مهاراتٍ وتقنيّاتٍ جديدةٍ وإتقانُها. كَما يوفِّرُ مساحةً آمنةً وخاليةً منَ المَخاطرِ، حيثُ يمكِنُ تكرارُ التّعلُّمِ وَقياسُ النّجاحِ بِدِقّةٍ.

وَمِنْ مَزايا التّعلُّمِ الغامرِ أنّهُ يَسمحُ بالتّعلُّمِ العمَليِّ في بيئةٍ يُشاركُ فيها الطُّلّابُ بنشاطٍ في عمليّةِ التّعلُّمِ الخاصّةِ بهِمْ. كَما أنّهُ يُشغِّلُ حَواسَّ المُتعلِّمينَ، ويَزيدُ مِنْ فهْمِهِمْ للمادّةِ، وَمِنْ أنواعِ التّكنولوجيا الغامِرةِ الواقعُ الافتراضِيُّ VR وَالواقعُ المُعزّزُ AR، والواقعُ المُختلطُ MR، وَأفلامُ 360. وَقدْ جاءتْ هذهِ التّقنيّاتُ لِتتلاءَمَ معَ مُتطلَّباتِ الجيلِ الرّقمِيِّ، وَتُسهِمَ في خَلْقِ بيئةٍ تُمكنُ المُستفيدينَ مِنْ تَجربَةِ عوالمَ افتراضيّةٍ مُنفصلةٍ عَنِ الواقعِ الحقيقيِّ وَاستكشافِها.

َوتتَمثَّلُ أكبرُ قوّةٍ للواقعِ المُعزّزِ وَالواقعِ الافتراضيِّ في قُدْرَتِهِما على اصطِحابِ الطُّلّابِ في رحلةٍ تتَجاوَزُ حُدودَ بيئةِ الفصلِ الدِّراسيِّ الفِعْليَّةِ. فَالواقعُ الافتراضيُّ (VR) عبارةٌ عنْ تَجربةِ مُحاكاةٍ يُمكِنُ أنْ تكونَ مُشابِهَةً أوْ مُختلِفَةً تَمامًا عَنِ العالَمِ الحقيقيِّ. وَتُتيحُ عمليّاتُ المُحاكاةِ الّتي تعمَلُ بتقنيّةِ الواقعِ الافتراضيِّ للطُّلّابِ إجراءَ تَجاربَ في بيئةٍ خاليةٍ مِنَ المَخاطرِ. وَسواءٌ أكانَ الأمرُ يتعلَّقُ بتجربةِ التّفاعلاتِ الكيميائيّةِ أمْ فهْمِ قوانينِ الفيزياءِ مِنْ خلالِ المُختبَراتِ الافتراضيَّةِ؛ فإنَّ الطُّلّابَ لدَيْهِمُ الفُرْصةَ للتَّفاعُلِ معَ المَفاهيمِ بطَريقةٍ تتجاوزُ حُدودَ طَرائِقِ التّدريسِ الاعتياديَّةِ.

كَما يُنشِئُ الواقعُ الافتراضيُّ عمليّاتِ مُحاكاةٍ تَهدِفُ إلى إقصاءِ العالَمِ الحقيقيِّ، وَإحاطةِ المُتعلِّمِ كُلِّيًّا باستخدامِ أجهزةِ الكُمْبيوتَرِ وَالأجهزةِ الحِسّيّةِ. وَيحتاجُ نَظّارَةً خاصّةً مِثل HTC Vive أو Oculus Quest، وَسَمّاعاتِ الرَّأْسِ، وَالقفّازاتِ الّتي تَسمحُ للمُتعلِّمِ بالتَّنقُّلِ في مساحَتِهِ الافتراضيَّةِ.

أمّا الواقِعُ المُعزّزُ (AR) فَهوَ تقنيّةٌ يَتِمُّ فيها دَمْجُ الواقعِ بِمُعزّزاتٍ افتراضيّةٍ بِوَسائطَ مُتعدِّدَةٍ؛ كالصُّوَرِ ثُلاثيَّةِ الأبعادِ، أو المُؤثِّراتِ الصّوتيّةِ وَالمَرْئيّةِ؛ لِخَلْقِ بيئةٍ تعليميّةٍ افتراضيّةٍ شِبْهِ واقعيّةٍ. على عَلى الْعَكْسِ مِنَ الواقعِ الافتراضيِّ، الّذي يَخلقُ بيئةً مُصطَنَعةً تَمامًا. وَيعمَلُ الواقعُ المُعزّزُ على تَعزيزِ العالَمِ الحقيقيِّ بِمَعلوماتٍ إضافيّةٍ. فَعَلى سَبيلِ المِثالِ؛ يُمكِنُ للطُّلّابِ مَسْحُ صُوَرِ الكُتُبِ المَدْرَسيَّةِ ضَوْئيًّا، باستخدامِ هَواتِفهِم الذَّكيَّةِ أوِ الأجهزةِ اللَّوْحِيَّةِ للوُصولِ إلى النَّماذجِ ثُلاثيَّةِ الأبعادِ، أوْ مَقاطعِ الفيديو أوِ المُحتَوى التَّفاعُليِّ المُتعَلِّقِ بالموضوعِ. وَيُمكِنُ تشغيلُ المُحتوى بوَساطَةِ كائناتٍ أوْ أماكِنَ جغرافيَّةٍ مُعيَّنَةٍ تسمحُ بِها الأجهزةُ المَحمولةُ كَالهواتفِ الذَّكيَّةِ والأجهزةِ اللَّوْحيَّةِ.

وَتَتَّبِعُ كِلْتا التّقنيَّتَيْنِ نَهْجًا تعليميًّا عَمليًّا لا يُعزِّزُ الفهمَ العامَّ للموضوعِ فَحَسْبُ؛ بلْ يُعزِّزُ تَطْويرَ التَّفكيرِ النّاقِدِ وَمَهاراتِ حلِّ المُشكلاتِ أيضًا. فَعَلى سَبيلِ المثالِ؛ في مادَّةِ الكيمياءِ–وَمِنْ خلالِ التّقنيّاتِ سابقةِ الذِّكْرِ- يُمكنُ تَصميمُ مُختبَراتٍ افتراضيّةٍ لِشَرْحِ المَباحِثِ العِلْميّةِ بِطَريقةٍ آمِنةٍ، دونَ تعريضِ المَوادِّ للتّلَفِ، أوْ تَعريضِ حياةِ الطّلَبةِ للخَطرِ. أمّا في مادّةِ التّاريخِ؛ فتُساعِدُ هذهِ التّقنيّاتُ في أخْذِ الطّلبةِ في جولةٍ افتراضيّةٍ إلى المَتاحفِ وَالأماكنِ الأثَريّةِ مِنْ داخِلِ المدرسةِ، دونَ الحاجةِ إلى تَنظيمِ رحلةٍ كاملةٍ. أمّا في التّربيةِ الإسلاميّةِ؛ فيُمكِنُ تعليمُ الطّلبةِ شعائرَ الحجِّ والعُمرَةِ مِنْ خلالِ تَجربةِ الواقعِ الافتراضيِّ، وكذلِكَ تَجربةُ السّفرِ إلى مكّةَ، وَالطّوافُ بالكعبةِ، وَالوُقوفُ على جَبَلِ عَرَفاتٍ...، فمِنْ خلالِ الاستفادةِ منَ التّقنيّاتِ والاستراتيجيّاتِ المُبتكَرةِ، يُمكِنُ للمُعلّمينَ إثراءُ عمليّةِ التّعلُّمِ، وَتعزيزُ مشاركةِ المتعلِّمِ.

الجامعة الأردنية

ــ الراي

مواضيع قد تهمك