د. محمد كامل القرعان : ماذا تكشف نتائج الانتخابات ؟
عاشت الانتخابات النيابية 2024 مفاجآت ثقيلة تمثّلت بعدد المقاعد التي حصدته جبهة العمل الإسلامي على مستوى القائمتين الوطنية والمحلية. والنتائج المتواضعة للأحزاب السياسية، بخاصة التي كانت التوقعات تذهب إلى أن تأخذ عددًا أكبر وتكون ندًّا للإسلاميين. أما الثالثة، فهي مستوى شفافية ومصداقية في الانتخابات يذكرنا بما حدث في العام 1989، بعكس التصورات أو الدعايات التي كان يروج لها كثيرون.
ما حدث هو انتصار حقيقي وكبير ومؤازر للدولة بمؤسساتها السياسية والأمنية، بلا مبالغة، لأنّ النتيجة الأكثر أهمية استعادة الثقة وعودة المصداقية للعملية السياسية وشرعيتها، وهي نقطة تحول من الضروري أن نبني عليها. بعدما حدثت فجوة كبيرة في الثقة والمصداقية خلال الأعوام السابقة،، فحجم مشاركة المعارضة غطى على محدودية المشاركة السياسية، وعلى من كان يشكك في نزاهة الانتخابات ومصداقية الدولة وبحجم الرهان الذي يضعه جلالة الملك شخصيًّا على مشروع التحديث هو خاطئ ؛ والدليل على ذلك انتخابات نزيهة وحيادية وشفافة ونتائج قوية للمعارضة السياسية.
وفازت جماعة الإخوان المسلمون بكل تصويت ديموقراطي، لكن النتائج بمفردها لا تعطي صورة حقيقية حول قوة شعبيتهم، وأحزابهم السياسية والأيديولوجيات الخاصة بهم. وقد تغير ذلك مع تحديث المنظومة السياسية وقانوني الانتخاب والاحزاب حينما أتت الفرصة–التي تطورت عبر قرون في المملكة.
والكرة في ملعب جبهة العمل الإسلامي اليوم، فيما إذا كانت ستعزز الرأي داخل مؤسسات القرار الذي يدفع نحو التقدم والتوغل أكثر في المسار الديمقراطي، من خلال طروحات عقلانية واقعية اصلاحية من قبل الجبهة، والابتعاد عن منطق المناكفة واللعبة الصفرية، أو النشوة بالانتصار التي لم تجر على الإسلاميين في العالم العربي إلاّ كوارث كبيرة، ثم أدت إلى تدهور المسار الديمقراطي بصورة كبيرة.
ويواجه المجلس النيابي العشرين الآن تحديات عميقة، لكنها أسفرت، في ظل الانتخابات الأخيرة، عن مؤسسات ديموقراطية تمثلت في استفتاء، كان حر ونزيه وحيادي بشكل عام.
في هذه المرة يظهر حزب جبهة العمل الاسلامي كأفضل حزب من حيث الأداء والاقناع، وكان ذلك نصرا آخر لوضعه في العملية التشريعية، لكنه لم يكن دليلا على دعم شعبي واسع مقابل احزاب جديدة غير مقنعة للشارع. وكانت نسبة الاقتراع في الانتخابات البرلمانية 32.25 % مع فوز الحركة الإسلامية لعدة أسباب، من بينها: تبنيهم للقضية الفلسطينية، وما رافق عملية طوفان الأقصى، وكذلك حالة المزاج الشعبي، مقابل فشل الأحزاب الوليدة في الانتخابات بسبب اعتمادها الكبير على البعد الشخصي بعيدا عن البعد البرامجي، فلم تقنع المواطن بالتصويت لهم. كما تقدم الإسلاميين إلى عوامل عديدة، على رأسها حرب غزة، حيث كانت الأحزاب الإسلامية الأنشط في الشارع دعما للفلسطينيين وتنظيما للمسيرات المناهضة لإسرائيل.
لكن رغم هذه النتائج البارزة، فإنه قد لا يكون لها تأثير كبير على ملفات السياسة الخارجية والتوجهات الأردنية بشكل عام، لكنها «ستتطلب حكومة أقوى، وقادرة ومؤثرة على مواجهة برلمان لن يكون مثل سابقيه».
نهاية القول: هنالك فرصة اليوم لكل من مطبخ القرار والحكم والمعارضة للوصول إلى تفاهمات حول المرحلة المقبلة، وشروط وإطار الانتقال الديمقراطي نحو الأستمرار في رعاية المشروع الملكي لانتاج حكومة برلمانية حزبية برامجية توافقية تتماهى بكل وعي ومسؤولية امام مطالب الأردنيون. ــ الراي