الأخبار

عمر عليمات : الأردن وإعادة صياغة الاشتباك مع تيارات «ما فوق الوطنية»

عمر عليمات : الأردن وإعادة صياغة الاشتباك مع تيارات «ما فوق الوطنية»
أخبارنا :  

في زمن الهدوء، الكل سواسية، لا فرق بين شخص وآخر، فالكل مشغول بحياته وقضاياه الشخصية، أما في زمن الحروب والأزمات، فالاختلاف حاضر، والتوجهات لا تحتاج إلى تمحيص وتدقيق، فما أخفاه الهدوء تكشفه الأزمات خاصة إذا طالت وتشعبت أبعادها.

رغم أن منطقتنا لم تنعم بالهدوء منذ عقود، إلا أن أجيالاً عديدة لم تشهد حرباً مرتبطة بالقضية الفلسطينية بهذا المدى الزمني، حيث أصبحت الحرب على غزة أطول حرب مع كيان الاحتلال منذ عام 1948، إلى جانب تشعباتها الإقليمية المتعددة المستويات، وهذا الوقت الطويل كفيل بوضع الحقائق على الطاولة كما هي بلا رتوش، فمع كل يوم جديد من عمر الأزمة نكتشف عمق التيارات والمسارات التي تجري من تحت وفوق أقدامنا، دون أن يلقي لها أحد بالاً.

الساحة الأردنية ومنذ تأسيس الدولة شهدت تدفقًا متواصلًا للتيارات القومية والعروبية والإسلامية والمصلحية، حيث وجدت دائماً قاعدة داعمة لها، وهذا أمر طبيعي في تلك الفترة لأسباب ومبررات ليس هذا مكانها، ورغم أن هذا الطابعكان سمة المنطقة في ذلك الوقت، إلا أن غالبية الدول العربية بقي النفس الوطني طاغياً فيها، وهو القاعدة التي تنطلق منها كل المواقف والتوجهات، فلا المصري أو السوري أو اللبناني وغيرهم من الشعوب قفز على وطنيته وتجاوز عنها، بل بقيت جزءاً رئيسياً هو الغالب عندما يتعارض مع أي من الحلقات الأوسع، وهذا ما عملت هذه الدول على تعزيزه في نفوس الأجيال المتعاقبة.

ما نشهده من تصريحات ومواقف وأصوات لتيارات وأحزاب «ما فوق الوطنية» قوية ومؤثرة تجلجل في ساحتنا الداخلية، حتى وإن تعارضت مع مصالح الدولة العليا وسيادتها، يؤكد أن البعض تمكن من اختراق ساحتنا عبر هذه التيارات والأفكار، واستغل النفس العروبي والقومي والإسلامي لغايات وأهداف لا علاقة لها بكل ما يجري، ناهيك عن الاختراقات المرتبطة بالمصالح والمال وما خفي أعظم.

الآية في الأردن معكوسة، فمصالح «ما فوق الوطنية» تطغى على مصالحنا الوطنية، إلى الدرجة التي لا يتحرج فيها البعض أن يطالب بإدخال الدولة إلى حرائق المنطقة دون أن يفكر بانعكاسات ذلك وتأثيراته على البلد، فهناك ركوب للموجة من أطياف عديدة، آخر ما تفكر فيه حاضر الأردن ومستقبله.

الأحداث الجارية، تؤكد لنا فداحة الخطأ الذي ارتكبناه، عندما انتبه الكل لإشكالية تيارات «ما فوق الوطنية» فيما اغفلنانحن هذا الجانب، ولم نعمل على تعزيز القيم الوطنية في نفوس الأجيال، وغرس فكرة أن الوطن يعلو ولا يُعلى عليه، وأن مظلة توجهاتنا وأفكارنا يجب أن تكون مصلحة الوطن وسيادته، والقانون هو الحكم والفيصل مع كل مَن يخرج من تحت هذه المظلة، وبعدها فليفعل كل أمرٍ ما يشاء، فالحق في حرية الفكر والقناعة لا يتعارض أبداً مع حق الوطن وسيادته.

عقل الدولة الأردنية يجب أن يلتف تماماً إلى ما يجري، ويعيد صياغة الاشتباك مع التيارات والأفكار «ما فوق الوطنية»، وهذا الأمر لا يجب أن ينتظر حتى تهدأ الأمور وتنتهي الأزمة، فلا أحد يعلم يقيناً إلى أين ستصل وإلى ماذا ستفضي، فأحداث المنطقة تسير بشكل لا يعطي أحداً ترف الوقت.

باختصار، شعرة معاوية مع كل مَن يقدم ارتباطاته العابرة للحدود على الوطن ومصالحه لم تعُد من الحكمة، بل مغامرة بالدولة ومستقبلها، فلننظر حولنا ونرى كيف يقاتل باقي العرب من أجل «بوست» يتوقعون أن فيه مساساً بدولهم، فيما نحن يخرج من بيننا مَن يسقط الوطن من كل حساباته دون خجل أو وجل. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك