الأخبار

اسماعيل الشريف : العقوبات الاقتصادية.. القتل الناعم

اسماعيل الشريف : العقوبات الاقتصادية.. القتل الناعم
أخبارنا :  

اسماعيل الشريف :

«يتحدثون عن عقوبات ذكية، لم أشاهد أية عقوبات ذكية، لم أرَ إلا عقوبات فاشلة تطال الجميع، بما في ذلك المدنيون الأبرياء، وتجعل النظام الحاكم المحاصَر أكثر شعبية»، محمد البرادعي.

حتى كتابة هذه المقالة فقد انتهت جولةٌ جديدةٌ من جولات محاولة إبادة الشعب الفلسطيني، حملت هذه المرة اسم «الفجر الصادق»، ردت عليها المقاومة بشراسة، وسالت دماء زكية، ودُمِّر العديد من المنازل، وفشل الصهاينة كعادتهم في تحقيق أهدافهم، فهي حرب تضاف إلى سلسلة الخسائر الصهيونية منذ سنوات طويلة.

نتألم ونكتب، وقد نستنكر عند أي عدوان صهيوني ضد غزة، ولكننا ننسى سنوات طويلة من الحصار والتجويع لشعب بأكمله يعيش في قفص كبير، نهلل للصواريخ التي ترد بها المقاومة ويعتبرها الغرب جريمة، ولكن التجويع والموت لعدم وجود أدوية واحتياجات أساسية فهو يمر وكأنه أمر عادي، مع أن تأثير الحصار أسوأ كثيرًا من الحرب التقليدية، وعدد الضحايا يفوق ضحايا القصف والقنابل، ولكن بفرق أنهم يموتون ببطء وصمت وهدوء، لا أحد يتحدث عنه ولا عواقب له، هو عنف غير مرئي بدون شهود.

كان ذنب غزة الوحيد وصول حماس للحكم عبر الصناديق، فحوصر شعب غزة، وبالورقة والقلم حددوا متوسط السعرات الحرارية التي يحتاجها الغزي ليبقى على قيد الحياة، وهي 2297 سعرة حرارية يوميًّا، ما يعادل حوالي170 شاحنة، ولكن مع هذا فالشاحنات التي تدخل أقل من هذا كثيرًا، وتقول الدراسات: لو استمر الحصار على غزة فبعد سنوات قليلة لن تصبح صالحةً للحياة.

الحرب التقليدية تسير بالتوازي مع الحصار، الذي هو أكثر بشاعةً ودهاءً وشرًّا، أساسه نظرية تفَوق الجنس الأبيض، وينفذه فقط الصهاينة والولايات المتحدة، ولم يقم به في التاريخ الحديث سواهما من خلال مجلس الأمن باستخدام البندين 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة.

والحصار هو أحد أهم مخرجات النظام الاقتصادي العالمي الموحد، الذي من خلاله يستطيعان تركيع أية دولة تمردت عليهما، فلا يهم عدد الناس الذين يموتون من الجوع أو المرض، فالأهداف المرسومة تبرر التضحية، كما عبرت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت عن ذلك صراحةً، ففي 12 أيار 1996 استضاف البرنامج الأمريكي الشهير «ستون دقيقة» وزيرة الدولة الأمريكية مادلين أولبرايت، وسألها المذيع: سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي قد مات بسبب العقوبات الاقتصادية، وهذا أعلى من عدد ضحايا أطفال هيروشيما بعد ضربها بالنووي؟! أجابت الوزيرة: هذا خيار صعب، ولكن الثمن يستحق!

هي حرب استباقية لإضعاف الدولة المستهدفة، تتبعها عادةً حربٌ تقليدية تنتصر فيها الإمبريالية بعد أن يتم إنهاك العدو، والعراق أكبر مثال على ذلك، وما يجري في غزة هو سيناريو مشابه يفشل الصهاينة في تحقيقه بسبب بسالة المقاومة، ومن خلفهم شعب الجبارين.

عادةً ما تفشل العقوبات الاقتصادية وحملات التجويع، فيلتف الشعب حول قيادته وتزيد الكراهية ضد الصهاينة والغرب، فالدراسات تقول: إن أقل من 5% من العقوبات قد نجحت، وتتغلب الأنظمة على العقوبات الاقتصادية، ويستفيد منها السماسرة ورجال الدولة والقوى العالمية، ويموت ويعاني باقي الشعب.

كأردنيين وفلسطينيين وعراقيين وسودانيين وسوريين، علينا ألا ننسى مطلقًا من قام بقتل أبنائنا جوعًا ومرضًا، ثم علينا أن نعلن رفضنا لهذا الحصار الجائر، والتعبير المستمر عن ذلك.

هي دعوة لبلدنا الحبيب، صوت فلسطين النابض، أن يتحرك عربيًّا ودوليًّا لرفع المعاناة عن أهلنا في غزة. ــ الدستور


مواضيع قد تهمك