سامح المحاريق : مشروع الشام الجديد.. الديموغرافيا مدخل للمنافسة في الإقليم

تراجعت مكانة الجغرافيا في العقدين الأخيرين ليصبح العامل الحاسم في المنافسة هو توفر البنية التحتية لحركة التجارة في العالم، وبناء على ذلك تمكنت دبي مع ميناء جبل علي من حيازة حصة من حركة التجارة العالمية، وهي الواقعة على الخليج العربي في موقع بعيد نسبيًا عن مسار التجارة الكبير الذي يعبر من المحيط الهندي وبحر العرب.
يتطلع المصريون بدورهم لبناء مشروع نوعي على ضفاف قناة السويس يحولها إلى محطة تزويد وتبادل لحركة التجارة، وتعمل (إسرائيل) على تجيير الاهتمام العالمي لطريق الهند المنافس لطريق الحرير الصيني، وتحاول دول أخرى أن تبحث عن فرص لموانئها مثل رومانيا، لتكون مدخلًا أقرب إلى شرق أوروبا من المدخل التقليدي في الموانئ الايطالية والهولندية.
يبدو الأردن، بوضعية شبكة الطرقات المتوافرة، ومحدودية الفرص أمام ميناء العقبة بعيدًا عن المنافسة في هذه المجالات، إلا بما يمكن أن تقتضيه بعض الضرورات الجغرافية، ولكن لا يعني ذلك في المقابل أن يبقى الأردن متفرجًا على ما يحدث حوله، فالأردن يحظى بفرصة كبيرة في مشروع الشام الجديد الذي يمكن أن يقدم الديموغرافيا بوصفها الميزة التنافسية الممكنة في منطقة تتحول إلى بؤرة للتداول العالمي، وهي الإشكالية التي تعاني منها دول الخليج، وستزيد معاناتها مستقبليًا لأن التقدم في متوسطات العمر في أوروبا سيدفعها للمنافسة بصورة مكثفة على أفضل العقول والكفاءات في الدول النامية والصاعدة، بما يعني ارتفاعًا في تكلفة العمل في هذه الدول التي تعاني بصورة جوهرية من ضعف الزخم السكاني، مع الشهادة الضرورية بأنها تعمل بصورة متميزة على تطوير رأس المال البشري.
للأردن فرصته الماثلة في نسبة الشباب من السكان، وفي نوعية الفئات الشابة التي تتلقى تعليمًا ورعايةً صحيةً جيدة، فالدول الشابة الأخرى حول العالم موزعة بين الحروب الأهلية والأزمات الصحية الواسعة، ولكن هذه الثروة تحتاج إلى الصقل عند انتقالها إلى مستويات المنافسة العالمية، وهذه قصة ترتبط بالاستراتيجيات والسياسات العامة في المدى المتوسط، ولا يمكن إلا أن تنطلق من رؤية للتمركز في منظومة عالمية جديدة.
من الواقع الديموغرافي يكتسب مشروع الشام الجديد أهميته، وبحيث يصبح الرابط التكاملي لمشروعات غير متطلبة لكثافة العمالة في الخليج، إذ لم يعد معقولًا أن تواصل الدول الخليجية مشاريع البنية التحتية إلى ما لا نهاية، ويفسر ذلك المنافسة على قطاعات الذكاء الاصطناعي، ويبقى السؤال حول السوق الصاعد والقوى البشرية التي يمكن أن تحضر في مجالي الزراعة والصناعة غير المعتمدة بصورة واسعة على التكنولوجيا، أي التي تبقى كثيفة في العمالة المطلوبة.
يزيد عدد سكان الدول المنضوية في مشروع الشام الجديد على 170 مليون نسمة، وفي حال تكاملت سوريا ولبنان وهو الوضع المنطقي والمأمول، فالتعداد السكاني سيصل إلى نحو مائتي مليون نسمة، بمعنى التواجد كقوة إنتاجية مهمة، ومعها كذلك الجانب الاستهلاكي الذي يجعله سوقًا تنافسيًا يستطيع أن يحصل على بضائع بأسعار منافسة بناء على اقتصاديات الحجم في حالة توظيف ذلك في القطاعات الدوائية.
يبقى مشروع الشام الجديد وعدًا استراتيجيًا مهمًا على أن تظهر بنيته السياسية بوضوح لأن الاستجابة لوعوده تتطلب استثمارات هائلة، والمشروع يتوافق بشكل كبير من الميزة السكانية للأردن وللدول الشريكة في المشروع، إلا أن الالتفات لهذه الميزة يجب أن يبقى أيضًا أولوية وطنية أردنية تحضر في رؤية وطنية مرتبطة بالفرص المتاحة وتعتمد على مرونة كافية للاستجابة للبدائل الممكنة.