د. زيد ربابعة : الروبوتات البشرية تقتحم خطوط الإنتاج: هل انتهى عصر العمل البشري؟

مع تسارع التطورات التكنولوجية في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، تلوح في الأفق ملامح ثورة اقتصادية واجتماعية جديدة قد تعيد رسم ملامح سوق العمل العالمي. تقرير حديث نشرته وكالة «رويترز» في 13 أيار/مايو 2025، سلط الضوء على التقدم الصيني في دمج الروبوتات البشرية الذكية في قطاع التصنيع، في خطوة تهدف إلى تعزيز الإنتاجية والتصدي لمشكلات ديمغرافية واقتصادية متزايدة.
لكن هذا التطور التكنولوجي اللافت لا يطرح فقط تساؤلات عن مستقبل الصناعات التقليدية، بل يثير قلقاً عالمياً مشروعاً: هل بدأ العد التنازلي لنهاية العمل البشري كما نعرفه؟
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل معادلة العمل
الصين، التي تقود هذا التحول الطموح، لا تتعامل مع الروبوتات كأدوات مساعدة فحسب، بل كحلول استراتيجية في مواجهة شيخوخة السكان، وارتفاع تكاليف الأجور، وسعيها الدؤوب للحفاظ على مكانتها في سباق الإنتاجية العالمي. الشركات التكنولوجية الناشئة هناك، بدعم حكومي واسع، تُراهن على أن الروبوتات البشرية قادرة على سد الفجوات في سوق العمل وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
الخطاب الرسمي المتفائل يرى أن التكنولوجيا، كما في الثورات الصناعية السابقة، ستولد وظائف جديدة بديلة. غير أن المشهد الواقعي أكثر تعقيداً، إذ أن طبيعة الوظائف التي تُستحدث في العصر الرقمي تتطلب مهارات متقدمة لا تتوفر بسهولة لدى جميع شرائح العمالة، خصوصًا كبار السن وأصحاب المؤهلات المتواضعة.
إعادة تأهيل... ولكن لمن؟
في النظريات الاقتصادية، من الممكن تأهيل جزء من القوى العاملة الحالية للانخراط في وظائف جديدة متعلقة بتشغيل الروبوتات أو صيانتها أو تحليل بياناتها. إلا أن التجربة تشير إلى أن قدرة أنظمة التعليم والتدريب على مواكبة هذا التحول السريع تبقى محدودة. والنتيجة المحتملة هي اتساع فجوة المهارات، وبروز فئات اجتماعية مهددة بالإقصاء الدائم من سوق العمل، لا بسبب فشل اقتصادي، بل بسبب النجاح التقني.
دخل بلا عمل: من الرفاهية إلى الضرورة؟
في مواجهة هذا التحول، بدأ العديد من صناع السياسات حول العالم يطرحون تساؤلات جوهرية: هل يجب إعادة تعريف العلاقة بين العمل والدخل؟ وإذا ما كانت الروبوتات قادرة على توليد قيمة اقتصادية ضخمة بتكلفة منخفضة، فهل يمكن للدول أن توفر دخلاً أساسياً عاماً للمواطنين، باعتبار أن الفرص المتاحة للبشر ستتقلص بشكل كبير؟
النقاش لا يدور حول الكسل أو الاتكالية، بل حول ضرورة توفير حياة كريمة لمن باتوا خارج سوق العمل بسبب أتمتة الوظائف. وقد يدفع هذا التحول دولاً كثيرة إلى مراجعة نماذجها الاقتصادية والاجتماعية، والنظر في إمكانية منح دخل ثابت للفئات المتأثرة، أو تخفيض سن التقاعد استجابة لمتغيرات الواقع الجديد.
البعد الأخلاقي والاجتماعي: سؤال الهوية والدور
ومع أن هذه المقترحات تبدو منطقية اقتصادياً، إلا أنها تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة:
من يحدد من يستحق الدخل دون عمل؟
كيف يمكن تجنب خلق طبقة «غير منتجة» يتم تهميشها اجتماعياً؟
هل تستطيع المجتمعات تجاوز تصور العمل بوصفه شرطاً للكرامة والهوية الشخصية؟
قد تكون الأنظمة المركزية، مثل النموذج الصيني، أكثر قدرة على إدارة هذا التحول بفضل أدوات الرقابة والسيطرة المؤسسية. أما في دول ذات نظم أكثر انفتاحًا ومرونة، فقد يشكل غياب شبكات الحماية الاجتماعية عائقاً كبيراً أمام اعتماد نماذج الدخل الأساسي أو التحول الجذري في فهم العمل.
الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد
إن دخول الروبوتات البشرية إلى قلب النشاط الاقتصادي ليس مجرد تطور تقني، بل هو لحظة مفصلية تستدعي إعادة التفكير في «العقد الاجتماعي» القائم بين الدولة والمواطن. ففي عالم تتراجع فيه فرص العمل التقليدي، تصبح وظيفة الدولة أكثر من مجرد خلق فرص عمل، لتتحول إلى ضمان حد أدنى من الدخل والكرامة والاندماج الاجتماعي.
لسنا أمام نقاش نظري أو رفاه فكري، بل أمام معضلة واقعية تمس ملايين الأفراد حول العالم. التحدي الحقيقي في القرن الحادي والعشرين ليس في مواجهة البطالة الكلاسيكية، بل في تصميم اقتصاد لا يستبعد الإنسان حتى عندما تتفوق عليه الآلة.