الأخبار

سلطان حطاب يكتب : سلام عليك أيها الإمام

سلطان حطاب يكتب : سلام عليك أيها الإمام
أخبارنا :  

الوطن، لا شيء يعدل الوطن، وغزة عند اهلها نموذج؛ فالوطن يشكل الوجدان والضمير وهو عند الأصحاء لا بديل له ولا يمكن استبداله بغيره مهما كان.

بلادي وان جارت علي عزيزة واهلي وان ضنوا علي كرام.

وعلاقة الانسان بوطنه هي التي تصنع المواطنة.

فالمواطنة هي العلاقة السليمة المتكافئة بالحقوق والواجبات التي تربط الانسان بوطنه، فتجعله يضحي من أجله بكل غال وثمين.

والعلاقة بالوطن والتمسك به، تمسك جذور الشجرة بالتراب، حتى إذا انتزعت ماتت، وشكلت غزة نموذجاً لذلك ما زال قائماً وما زال الغزيون رغم القتل والهدم للبيوت فوق الرؤوس ورغم القصف والجوع والعطش، يتمسكون بتراب وطنهم، وقد رأينا مواسم هجرة الدم من الجنوب الى الشمال في مسيرات الالام بمئات الألوف التي رجعت الى شمال غزة من جنوبها، لتجلس فوق الركام وتحته في منظر اسطوري لا يتكرر وهو منظر برسم من ينكرون مكانة الوطن في نفوس اهله.

سأتوقف عند علاقة الوطن غزة، بالإمام الشافعي وهي مسقط رأسه، وأقول سلام عليك أيهّا الامام.

يا ابن غزة وقد غادرتها تحمل كتابك الشهير، (الأم) وتخرج لنشر مذهبك المتسامح وقد كنت تودعها (غزة) وعيناك تغرورقان بالدموع، وقد تركت فيها ابنتك (آسيا) بعد أن أوصيت بها الجيران، قصدت مصر أولاً لنشر الشافعية مذهباً، فعرفت فقهك وتبعته وصمدت به لاحقا أمام التشيع الفاطمي الذي لم ينل منه.

أنت الإمام الشافعي وقد قلت، «دخلت علي الجارية (الخادمة)، وقالت (يا أبا محمد، الطحين نفد) يقول الإمام: حين قالت الخادمة الطحين نفد وقد كنت جائعاً، كان في رأسي الف مسألة ومسألة، حتى قالت الطحين نفد، فلم استطع أن افكر في شيء.

هذا الإمام الشافعي الذي أحب بلده غزة وترابها وظل يحن الى العودة اليها، وقد ذكرها في غربته حين كان في اليمن لنشر مذهبه، فقال:

وأني لمشتاق الى ارض غزة وان خانني بعد التفرق كتماني

سقى الله أرضًا لو ظفرتُ بتربها كحلتُ به من شدة الشوق أجفاني

حب الوطن جزء من الدين والعقيدة، وما قاله الشافعي، قاله الرسول (ص)، عندما فارق مكة مهاجراً الى المدينة، وقد أطل على مدينته من مكان مرتفع، وقال: والله أني اشتاق اليك كما تشتاق الابل الى الحداء، والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"

علاقة الانسان بالوطن لا تعدلها أي علاقة نفسية أو اجتماعية، وفي هذا قال امير الشعراء أحمد شوقي في منفاه في اسبانيا:

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه في الخلد نفسي.

فيا أهل غزة، يا اتباع الشافعي، أحب أمامكم بلده، وظل يحن اليها وانتم جرى الاعتداء عليكم وشنت عليكم حرب الإبادة وحرب الإبادة بالجوع، وما زلتم تتمسكون بالبقاء والصمود بشكل أسطوري، الى ان يقضي الله أمراً، وتذهب الغمة، وتنهض الأمة وتجدوا من يجيركم ويغيث ملهوفكم.

لا توجد في التاريخ العربي المدون، مأساة كمأساة غزة والإبادة بالجوع، كما في غزة، فكل القصص المسموعة والواردة من كل العالم قديماً وحديثاً، لا تشبه ما تعيشه غزة، من معاناة واستمرار صلبها والتمثيل بجسدها، ومع ذلك ما زال أهلها صامدين، يكتبون الاسطورة التي ستخلد، وما زال العدو يستلهم تاريخاً من الخرافات ويتحدث عن «عربات جدعون»، وهو مصطلح له دلالة دينية توراتية تبين أنه في عين جالوت، غلبت فئة قليلة من 300 من جيش جدعون كما يزعمون 130 ألفاً، من المديانيين.

ومن غزة انتخب البابا القديس برفيريوس وقد دفن فيها وقبره موجود في الزاوية الشمالية الشرقية من الكنيسة وقد اعتدي عليه وهدمت جدرانه بفعل العدوان الاسرائيلي المستمر على غزة اذ ان غزة كانت قبل الاسلام تدين بالمسيحية ومنها كان ينتخب بابا الكنائس الأرثوذكسية على مستوى العالم انذاك وقد جرى انتخاب اول بابا (بطرك) حوالي سنة 400 ميلادية.

الاسقاطات الخرافية الدينية تستخدمها اسرائيل في حروبها التي تحمل اسماء دينية، مثل (عربات جدعون) ولكن الغزيين يقولون لا جدعون ولا كل سلالاته يستطيعون اقتلاع الغزيين من ترابهم الوطني.

فغزة هاشم هذه قهرت الاسكندر المقدوني الذي طعنه رجل غزي بخنجر في ظهره لأنه جاءها محتلاً، وفي غزة استطاعت المرأة الغزية (دليلة) أن تأسر شمشون الجبار وأن تكتفه، اسيرا فقال عبارته (علي وعلى اعدائي) وهدم المعبد، وهو ما جعل الحاقدين من اتباعه في التوراة (يتمنون أن تغرق غزة في البحر) وهو النص التوراتي الذي استعمله اسحاق رابين.

لكن غزة لن تغرق حتى وإن هدمت بيوتها وسويت بالأرض، فالانسان قد يدمر ولكن لا يهزم، كما يقول الروائي الاميركي الشهير أرنس همنجواي، في رواية الشيخ والبحر.

وقد يهزم الانسان دون أن يدمر كما في الحال العربية في التعاطي مع غزة.

مواضيع قد تهمك