لما جمال العبسه : سيناريوهات أسعار النفط... هل يقترب من أدنى مستوياته؟

تحولات اقتصادية وسياسية عالمية، أصبحت معها أسواق النفط تعكس حالة من عدم اليقين، وتأتي هذه التغييرات في وقت تتزايد فيه تحديات الطلب العالمي والإنتاج، بات الجميع يعرف أسباب هذه التقلبات، والتي تُعزى لمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي تجعل مستقبل النفط غير واضح.
منذ بدء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحالية، كانت هناك قرارات اقتصادية وتجارية قاسية للغاية على رأسها زيادة التعريفات الجمركية التي بدأت تتضح سيناريوهات تطبيقها على المستوى العالمي برمته، وكانت ارتداداتها عميقة على الاسواق العالمية منها أسواق النفط، التي مازالت توقعات اسعارها بين التشاؤم والواقعية.
المتابعة لأداء النفط خلال الاسابيع الماضية وتحديدا قبيل إصدار البيت الأبيض قراره القاضي برفع التعرفات الجمركية، بدأت حالة من اللا يقين تسود الاسواق الى ان استقرت هذه الحالة في إطار التشاؤم، والتي قدرت ان يصل سعر النفط أقل من 40 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام الحالي، بسبب حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي وتراجع كامل لتخفيضات إنتاج أوبك+، وبالتالي تدفق غير منضبط للإمدادات من خارج المنظمة.
وعلى الرغم من مدى ضعف هذه التوقعات إلا ان احتمالية وقوعها واردة في ظل تواتر القرارات التجارية غير المدروسة من قبل واشنطن والتي تؤثر على الاقتصاد الأمريكي نفسه قبل بلدان العالم، إلا ان الواقع يشير الى بعض السيناريوهات الأكثر واقعية للتحقق، والتي رجحت أن يبلغ متوسط سعر برنت 63 دولاراً للبرميل حتى نهاية العام الحالي، و58 دولاراً في 2026، وذلك فقط في حال استطاعت امريكا تجنب الركود الاقتصادي مع زيادة إنتاج أوبك+ بشكل معتدل، وهذا الامر منوط بالاحداث في المستقبل القريب.
لكن اذا نظرنا بشكل اكثر توسعا، نجد ان هناك مخاطر اخرى قد تقع وتحيط باسواق النفط العالمية، منها على سبيل المثال ارتفاع المخزونات التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، اونخفاض مخزونات الصين بشكل غير متوقع نتيجة ضعف الطلب أو تباطؤ في إعادة التخزين الاستراتيجي، اضافة الى ما يواجهه المنتجون الأميركيون من ضغوط لتقليص أنشطة الحفر في ظل انخفاض الأسعار- وهذا ما يسير عكس طموح ترامب في زيادة الاستثمار في النفط الاحفوري-، مما يعيد تشكيل ديناميكيات السوق ويضع صناعة النفط أمام اختبارات صعبة.
هنا لابد من الوقوف امام واقع صعب للغاية يتلخص في ان السياسات الاقتصادية الأميركية وخاصة التعريفات الجمركية الأخيرة في حال الاصرار على تنفيذها، لابد وان تؤدي إلى ركود اقتصادي واسع النطاق يمتد تأثيره على الطلب العالمي للنفط، وهذا السيناريو يعكس المخاوف التي كانت موجودة حتى قبل طرح التعريفات، والتي نجمت عن حالة الحروب الدائرة في العالم وتبعاتها من احداث حالة من عدم استقرار السياسات الاقتصادية، كل هذه العوامل السابقة والحالية مجتمعة اثرت بشكل مباشر على خطط المنتجين للاستثمار والنمو.
مع استمرار تقلبات الأسعار، يُظهر النفط ضيق الانتاج في الولايات المتحدة تحديات ملحوظة، بدءاً من انخفاض معدلات إعادة الاستثمار إلى تراجع الإنتاجية في المواقع الرئيسية، وبينما يبقى السيناريو الأكثر تفاؤلاً مرتبطاً بتحسن السياسات التجارية الأميركية، ويبقى السؤال حول ما إذا كان المنتجون قادرين على تحقيق توازن بين الطلب العالمي والتحديات المحلية؟
على الرغم من كل التحديات، لا يزال النفط يشكل عنصراً محورياً في تشكيل مسار الاقتصاد العالمي، إلا ان المستقبل يحمل الكثير من السيناريوهات غير المتوقعة، ما يجعل القرارات السياسية والاقتصادية المقبلة أكثر أهمية لضمان استقرار الأسواق.