الأخبار

د. سليمان علي الخوالدة : الذكاء الاصطناعي ورسم السياسات العامة: مستقبل الحوكمة الرقمية في الأردن

د. سليمان علي الخوالدة : الذكاء الاصطناعي ورسم السياسات العامة:  مستقبل الحوكمة الرقمية في الأردن
أخبارنا :  

في العصر الرقمي الذي يعيشه العالم اليوم، تسعى الدول إلى تبني تقنيات حديثة لتعزيز فاعليتها في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية. في الأردن، حيث تشهد الدولة تحولات كبيرة نحو التحول الرقمي، تبرز تساؤلات حول قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين السياسات العامة وتوجيه عملية صنع القرار السياسي. ففي وقت يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات، يبدو أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يشكل أداة حيوية لتعزيز الحوكمة والنزاهة، وتحقيق الشفافية في إدارة الدولة.

الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة، وهو ما يمكن أن يساهم بشكل ملحوظ في تحسين جودة اتخاذ القرارات السياسية والإدارية. من خلال أدوات التحليل المتقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزوّد صناع القرار في الحكومة الأردنية برؤى مدعومة بالبيانات، مما يساعدهم على تحديد الاتجاهات المستقبلية والتنبؤ بالتحديات والفرص. هذه القدرة على التحليل العميق توفر فرصًا لتحسين السياسات العامة في مجالات حيوية مثل الصحة، التعليم، والاقتصاد، بحيث تصبح القرارات أكثر استنارة وتوافقًا مع احتياجات المواطنين.

لكن مع هذه الإمكانيات، تبرز قضية النزاهة كأحد التحديات الكبرى. فالذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساسي على البيانات التي تُدخل إليه، وإذا كانت هذه البيانات تحتوي على تحيزات أو معلومات غير دقيقة، فإن القرارات التي ستتخذها الخوارزميات قد تعكس هذه التحيزات. وهذا يشكل تهديدًا للنزاهة التي تُعد أساسًا من أسس الحوكمة الرشيدة. لذلك، من الضروري أن تضمن الحكومات أن البيانات التي يتم استخدامها لتدريب الخوارزميات هي بيانات متوازنة وموثوقة. كما يجب أن تُحاط الأنظمة الذكية بآليات رقابة صارمة لضمان الشفافية في كيفية اتخاذ القرارات وتنفيذها.

في هذا الإطار، تبرز مسألة الشفافية كأحد العوامل الأساسية التي تحدد نجاح استخدام الذكاء الاصطناعي في الحوكمة. فالشفافية في استخدام الخوارزميات تُمكّن المواطنين من فهم كيفية اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم. إذا كانت الحكومات تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل غير شفاف، فإن ذلك قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية. ولذلك، من الضروري أن يكون هناك إطار قانوني واضح يضمن إمكانية تتبع وتحليل القرارات الصادرة عن الأنظمة الذكية، لضمان الالتزام بمعايير العدالة والمساواة.

وفي الوقت نفسه، يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرارات السياسية تحديًا من ناحية التعامل مع القضايا الإنسانية والاجتماعية المعقدة. فعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من الإنسان، إلا أن هذه الأنظمة تفتقر إلى القدرة على فهم القيم الإنسانية والتوجهات الثقافية التي تشكل قلب القضايا السياسية. وبالتالي، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بديلاً كاملاً للبشر في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والمساواة.

من جانب آخر، يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي في الحوكمة وجود إطار قانوني وأخلاقي واضح ينظم كيفية تطبيق هذه التقنيات في عملية اتخاذ القرارات. فلا بد أن تكون هناك قوانين تضمن أن الذكاء الاصطناعي يعمل ضمن حدود واضحة، بحيث لا يتجاوز دوره كأداة مساعدة لصناع القرار البشريين. وبالتالي، فإن التوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي من جهة، والحفاظ على المسؤولية البشرية عن القرارات من جهة أخرى، يعتبر أمرًا حيويًا لضمان الاستدامة في عملية الإصلاح الإداري والسياسي في الأردن.

إضافة إلى ذلك، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة لتحسين المساءلة في إدارة الدولة. فمن خلال تحليل البيانات ومراقبة الأداء، يمكن للحكومات أن تكتشف الفجوات في تنفيذ السياسات، مما يسهم في تحسين فعالية البرامج الحكومية. كما يمكن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد أي انحرافات أو تلاعبات قد تحدث في إدارة الموارد العامة، وبالتالي يُعزز من مبدأ الشفافية والنزاهة.

في الختام، لا شك أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة قوية يمكن أن تساهم في تعزيز الحوكمة وتحقيق الشفافية والنزاهة في الأردن. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدام هذه التقنية بحذر وبما يتوافق مع المبادئ الأساسية للحكم الرشيد. إذ يجب على الحكومة الأردنية تبني سياسات قانونية وأخلاقية تحكم استخدام هذه التقنيات، بحيث تظل المسؤولية النهائية في يد البشر لضمان أن القرارات المتخذة تخدم الصالح العام وتحترم حقوق المواطنين.

مواضيع قد تهمك