د. صلاح جرار : هل توقّع العرب ردّة الفعل الصهيونية على طوفان الأقصى؟

العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزّة وعلى مخيّمات الضفّة الغربيّة ومدنها وعلى البلدان العربيّة التي حاولت الدفاع عن الفلسطينيين، هو عدوانٌ غير مسبوقٍ في حجمه ومستواه ونتائجه، كما أنّه يعبّر عن حقدٍ لا حدود له ضدّ الإنسان العربي والفلسطيني. وأهمّ دافع لهذا العدوان على هذه الصورة هو محاولة محو ما يعتقده الفلسطينيون والعرب وحتّى المحتلّون أنفسهم من أنّ المقاومة الفلسطينية حققت انتصاراً غير مسبوق في عمليّتها التي نفّذتها ضدّ الجيش الصهيوني والمستوطنات الصهيونية في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) سنة 2023، ل?نّ بقاء هذا الاعتقاد في أذهان الفلسطينيين والعرب سيكون ملهماً للشعب الفلسطيني في المستقبل، وفي الوقت نفسه فإنّ بقاء هذا الاعتقاد في أذهان المستوطنين الصهاينة سوف يجعلهم في قلق دائم بسبب قدرة المقاومة الفلسطينية على شنّ مثل هذه الهجمات في أيّ وقت، ولذلك يسعى الجيش الصهيوني من خلال عدوان انتقامي غير محدود أن يمحو صورة هذا الانتصار الفلسطيني محواً تامّاً من الأذهان وأن يلقن الفلسطينيين والعرب درساً لن ينسوه إذا ما خطر ببال أيّ منهم في المستقبل أن يقوم بمثل هجوم السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر).
أمّا الهدف الثاني من هذا العدوان الصهيوني الوحشيّ فهو إزالة مصدر القلق وعدم الشعور بالأمن الذي يسكن قلوب الصهاينة، وهو غزّة والضفّة الغربيّةولاسيّما المخيّمات التي يتوارث قاطنوها حلم العودة والتحرير، وخاصّة أن الكيان الصهيوني يدرك في أعماق نفسه، أنّ الفلسطينيين لن يتخلّوا عن حقّهم بوطنهم السليب وأنّهم كلّما سنحت لهم فرصةٌ لمقاومة المحتل لا بدّ أن يغتنموها، ومن هنا فإنّ الجيش الصهيوني يحاول محو كلّ بقعة أرض يمكن أن ينطلق منها هذا الخطر ويسبب للصهاينة القلق وفقدان الشعور بالأمن، وكلّما تمثّل لهم ما أصابهم في?يوم السابع من تشرين الأول تضاعف قلقهم وتحوّل إلى رغبة في القتل والإجرام والإبادة والتدمير والانتقام، وهذا ما يفسّر هذا السُعار الذي يمارسونه باستخدام كلّ ما يمكّنهم من تشويه صورة الأمكنة أو محو آثارها من جرّافات ثقيلة ونسفٍ للبيوت وقصفٍ لها وتحويل كلّ شيء إلى ركام، مع أنّ محو المكان أو إزالته والمبالغة إلى أقصى حدّ في تدميره لن ينجح في محو الحلم الفلسطيني بالتحرير والعودة.
أمّا العرب فلا أشكّ في أنّهم كانوا وما زالوا يدركون أن الفلسطينيين لن يستسلموا للواقع الذي يفرضه الاحتلال ولن يتخلّوا عن المقاومة التي تشتدُّ أحياناً وتضعف أحياناً لكنّها لا تتوقّف، وهذا ما يجعل المنطقة مرشّحة دائماً لمواجهات قد تكبر لتتحول إلى حروب واسعة، وليس أدلّ على ذلك من العدد الكبير والمعارك التي شهدتها المنطقة منذ قيام هذا الاحتلال سنة 1948.
وهذا ما يفضي بنا إلى السؤال عمّا إذا كان العرب قد توقّعوا ردّة الفعل الصهيونية الموغلة في الوحشية على عملية طوفان الأقصى، أم أنّهم يرونها غريبة ومفاجئة وغير متوقّعة ولا مسبوقة.
وأيّا ما كانت الإجابة فإنّها تشير إلى ما لا يسرّ، فإذا كان العرب قد توقّعوا هذه الصورة الهمجيّة من ردّة الفعل الصهيونية فقد كان عليهم أن يستعدّوا لمثل هذا اليوم بالتسلّح وتحصين الذات وتوحيد الجهود وغير ذلك، ولا عذر لهم في الإحجام عن ذلك.
أمّا إذا كانت الإجابة بأنّهم لم يتوقّعوا هذا الردّ الوحشي الصهيوني فتلك مصيبة أكبر من التي سبقتها لأسباب كثيرة، أهمّها أنّ العرب لا بدّ أنّهم أدركوا أنّ الصهاينة في كلّ حربٍ من حروبهم كانوا وما زالوا يستخدمون أسلحة ووسائل أكثر تطوّراً وقدرة على حسم الحرب من الأسلحة التي استخدموها في الحرب التي قبلها، ومعنى ذلك أنّ دولة الاحتلال لم تتوقّف يوماً عن زيادة ترسانتها العسكرية وتطوير أسلحتها الجويّة والبريّة والبحريّة والاستخبارية ومضاعفة استعداداتها للحروب اللاحقة، إمّا من خلال التصنيع داخل الكيان أو الاستيراد م? الدول الداعمة له مثل الولايات المتحدة الأميركية وبلدان أوروبا. ولا أظنّ أن هذا التسلّح الصهيوني المستمرّ على مدى العقود السابقة وعلى هذه الصورة المبالغ فيها كان غائباً عن أنظار الدول العربيّة، وإلى جانب هذا التسلّح المحموم لم يتوقف الزعماء الصهاينة عن المجاهرة بخططهم ومشاريعهم التوسعيّة، ولم يكن إدراك العرب لهذه الحقائق يتطلب الكثير من الذكاء، فهي حقائق ثابتة وماثلة أمام العيون وساطعةٌ سطوع الشمس، وهي حقائق تكشف عن طبيعة هذا العدوّ الصهيوني ووحشيّته وحقده وعدم تردده في سفك الدماء وارتكاب أبشع الجرائم ممّ? لا يجوز إدارة الظهر له أو التغافل عنه، فالجشع الصهيوني كما الحقد الصهيوني لا حدود له ولا بدّ للعرب من إعادة النظر في كلّ المواقف والاستراتيجيات السابقة والبحث عن آليات جديدة لمواجهة التحدّيات الراهنة والمتوقّعة واستعادة الحقوق وحماية الحدود وكبح مطامع الطامعين وجماح المعتدين.
Salahjarrar@hotmail.com