سامح المحاريق : دور أردني مطلوب في بناء منظومة عربية جديدة

طرحت أثناء مرحلة الربيع العربي مسألة انضمام الأردن والمغرب إلى منظومة الخليج العربي، وقبل ذلك، كانت اليمن تخطو بصورة حثيثة لتنضم لهذه المنظومة، إلا أن الأمر توقف عند إلحاقها ببطولة كأس الخليج لكرة القدم، وحاليًا، تحضر مصر والأردن في كثير من اللقاءات الخليجية، بوصفهما العمق الراهن لمنظومة الخليج، على الأقل على المستوى البشري، حيث تعاني أربع دول خليجية من اختلالات سكانية واضحة، كانت قطر من خلال مراكزها البحثية الأكثر صراحةً في الحديث عنها، ولا يتحرج المسؤولون القطريون من الحديث عن هذه المشكلة.
في مرحلة الستينيات شهدت العلاقات العربية انقسامًا خطيرًا وخضعت لتصنيف تزعمته مصر، لتضع مفاهيم مثل التقدمية والرجعية، ومع ذلك، فإن المواقف الخليجية مثلت محطات إسناد مهمة بعد هزيمة حزيران 1967 وصولًا إلى حرب تشرين 1973، ويبدو أن ترتيبًا خليجيًا ترسخ لسنوات بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي لموضع دول الخليج بخصوصيتها في المنظومة العربية المعقدة، مع وجود مرونة لمواقف فردية من الدول الخليجية، إلا أن صدمة الغزو العراقي للكويت أسست لحقبة سياسية جديدة في منطقة الخليج، وأحدثت تحولًا عميقًا ومفهومًا في رؤيتها الاستراتي?ية، فالخليجيون لم يتصوروا أن سيفًا كان معهم على الدوام، يمكن أن يتحول إلى سيف عليهم في ليلة مظلمة من التاريخ العربي.
لم تكن الصدمة من التصرف العراقي الذي مثل خروجًا عن القواعد السائدة في الخليج وفي طبيعة التفاهمات التي عايشتها دوله لعقود من الزمن هي المشكلة الوحيدة، فخروج العراق منهكًا بعد 1991 ووصوله إلى لحظة سقوط بغداد 2003 أدى إلى توسع في أدوار إيران في فضاء يطوق الخليج عمليًا، وباستثناء الأردن لم يعد للخليج في فترة الربيع العربي أي ظهير مستقر، فالإيرانيون يطوقونه من خلال مناطق النفوذ، والمشكلة مع إيران لم تبدأ مع الثورة الإسلامية 1979 ولكن ظهور النفط في الخليج جعله مطمعًا مستمرًا لإيران، وبالمناسبة لم تكن إيران مهتمة? تاريخيًا بالخليج العربي، أو الفارسي، كما أصبحت تصر على تسميته منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لدرجة أن قبيلة القواسم من رأس الخيمة تمكنت من السيطرة على الساحل الإيراني الفقير المطل على مياه الخليج في القرن التاسع عشر.
الواقع الجديد أدى إلى ظهور محورين أساسيين، أطلق أحدهما على نفسه، محور المقاومة، ووصف الثاني، بمحور الاعتدال، وكلا الوصفين لم يكونا يمثلان الحقيقة الكاملة، فمحور المقاومة، وكما يتضح بعد سقوط نظام الرئيس الأسد لم يكن مقاومًا بالمعنى الكامل، وأن أولويته كانت خدمة المصالح الإيرانية، ومحور الاعتدال كان طيفًا متعدد المستويات بين التفاؤل المفرط بترتيبات للمنطقة ضمن منظومة عالمية، وبين من يرون إسرائيل خطرًا وجوديًا لا يمكن التعامل معه وفقًا لتوازنات القوى السائدة، ويبدو أن وجود المحورين، والتمثل السياسي والاقتصادي?والإعلامي والثقافي لهما، كان يؤدي إلى إضعاف كلاهما سويًة بالنظر إلى المجموع العربي.
أظهرت الظروف الأخيرة أن العيش داخل ثنائية المحورين لم يكن ينتج إلا الهشاشة في المنظومة العربية، وأنه يجب الخروج من مساحة الترقب والترصد التي صبغت العلاقات العربية وأدت إلى تعطيل المساهمة الفعالة للعديد من الدول العربية التي يمكن أن تشكل قيمة مضافة لأي تكامل عربي، والأردن من الدول العربية التي تحركت في هذا الاتجاه، فكانت تحرص على استعادة سوريا بوصفه احدى الأولويات، وتمكنت من تحقيق خطوة مهمة مع النظام الجديد في دمشق، كما وتصدرت لبناء تصور عربي تجاه التهجير أتى ليبلور نفسه في قمة الرياض غير الرسمية الأخيرة ال?ي تأتي تحضيرًا للقمة العربية في القاهرة بعد أيام.
استعادة سوريا مع الاستثمار في مشروع الشام الجديد، سيعيد عمقًا مهمًا لدول الخليج العربي، ويبدو أن الميل الذي تقوده العربية السعودية لعدم التعامل بثأرية مع طهران بحثًا عن طريق وسط يمكن التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات، تحتاج عمقًا عربيًا مماثلًا لما تأسس في الثمانينيات، سيكون له الأثر الكبير في بناء كتلة عربية تحتاج إلى تحقيق الظروف الموضوعية من أجل التكامل مع دول المغرب العربي، وهو ما يتطلب التخلص من السنوات الصعبة التي عاشها العمل العربي المشترك في السنوات الأخيرة.
كان طرح النموذج العربي الذي حددته الدول الكثيفة سكانيًا سابقًا ومحاولة تصنيف الدول العربية على أساسه إشكالية تواجهها طبيعة التكامل المطلوبة، واليوم، يجب العمل على بناء نموذج أكثر استيعابًا لخصوصية كل دولة وكل إقليم، وكما أن العلاقات العربية تتأثر بالشخصنة في بعض الظروف، فمن خلال توظيف الثقل الشخصي بصورة منتجة وصبورة يمكن الحصول على اختراقات مهمة تجاه تحقيق الأهداف، فالموقف النبيل للملك فيصل بوقفه لحرب اليمن وتوقيع اتفاق فوري مع جمال عبد الناصر بعد هزيمة حزيران، وسفر الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة للع?اء في الملك الحسن الثاني، كلها مواقف تظهر أنه ثمة نقطة ما يمكن أن تشكل أرضيةً للقاء، وهذه المسؤولية تبدو متسعة أمام الأردن ليقود تفاهمات عربية ضرورية ومطلوبة، يظهر الملك بوصفه الشخص المناسب والمؤهل تاريخيًا ليؤسس أرضية التلاقي حولها، خاصة أنه لم يسجل في تاريخ الأردن الرسمي، وعلى الرغم من اللحظات الصعبة جميعها، أي تراشق يمكن أن يحسب في موازين الضغينة والتأجيج، وبقي الأردن يتحمل التخوفات العربية المعلنة والمبطنة، وعيونه على الصراع الوجودي متعدد المستويات والفصول مع (إسرائيل) التي كانت من بين المستفيدين من ال?حاور العربية وحساباتها التي كانت على حساب ما يمكن وصفه بالمنظومة العربية التي يمكن أن تحمل مسؤوليات تاريخية جسيمة في مرحلة حرجة وحساسة. ــ الراي