عبد الله كنعان : شهر شباط ما بين القرارات الدولية والاعتداءات الاسرائيلية على القدس

نستذكر في شهر شباط بعض المحطات التاريخية والأحداث التي ارتبطت بمدينة القدس، بما فيها الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية وما صدر تجاهها من قرارات دولية عن هيئة الأمم المتحدة.
وتأتي هذه الوقفة في سياق ما تتعرض له هذه الايام في شهر شباط مدينة القدس خاصة، وفلسطين بشكل عام من اعتداءات وانتهاكات اسرائيلية، تزيد القناعة بأن النهج الاستيطاني الاسرائيلي متواصل لا يتوقف، ورغم تلك الوحشية الصهيونية فإن قوة الارادة وصلابة النضال والرباط عند الشعب الفلسطيني، تتجلى في تمسكه بالهوية والثبات على حقه الشرعي والتاريخي.
وقد مهدت سياسة الانتداب البريطاني للسيطرة الصهيونية على فلسطين والقدس، ومن محطات هذا الدعم بتاريخ 20 شباط عام 1920م إعلان الجنرال لويس بولز الحاكم العسكري البريطاني للقدس رسمياً عن وعد بلفور الذي كان قد صدر عام 1917م، مما يعني بدء تبني الوعد عملياً من ادارة الانتداب، الامر الذي أشعل بتاريخ 29 شباط من عام 1920م مظاهرات كبيرة في القدس ومدن فلسطين المحتلة رفضاً لذلك الوعد، ومن المحطات التاريخية المؤلمة في شباط أيضاً والتي اعقبت سياسة الانحياز البريطانية، اعلان اسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) في أوائل شباط ?ام 1949م احتلالها لغرب القدس وضمها لدولة الاحتلال، وبتاريخ 14 شباط ترأس وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية واول رئيس لدولة الاحتلال الجلسة الأولى للكنيست في القدس، علماً بأن هذه الاجراءات لم تؤثر على الوضع القانوني للمدينة باعتبارها محتلة ولا يجوز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة خاصة أن القرار 181 لسنة 1947م، أشار إلى أن تكون القدس (Corpus Separatum) تخضع لنظام دولي، ولكن سياسة التهويد والتضييق الاسرائيلية، حاولت من خلالها اسرائيل تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمدينة، بما في ذلك محاولتها الاحلالية تغيير الت?كيبة السكانية بموجة كبيرة من المستوطنين، اضافة الى التهجير والمذابح التي قامت بها العصابات الصهيونية عام 1948 وما بعده.
ومن المعروف أن الشرعية الدولية ممثلة بهيئة الامم المتحدة والمنظمات التابعة لها أصدرت طوال تاريخ الاحتلال الاسرائيلي، وفيما عُرف بالقضية الفلسطينية الكثير من القرارات نصرة لحقوق الشعب الفلسطيني وادانة للاحتلال الاسرائيلي، إلا أنني هنا استذكر بعض ما صدر منها في شهر شباط ومنها قرار الجمعية العامة رقم (1091) الصادر بتاريخ 27 شباط عام 1957 والمتعلق بالتبرع لبرنامج دعم اللاجئين، وقرار الجمعية العامة رقم (2002) الصادر بتاريخ 10 شباط عام 1965والمتضمن تمديد ولاية الاونروا، الى جانب صدور قرارات عن المجلس الاقتصادي و?لاجتماعي ومنها القرار رقم (6) الصادر بتاريخ 27 شباط عام 1968م، والذي يؤكد الحق في عودة الفلسطينيين الذين تمّ تهجيرهم عن الاراضي الفلسطينية المحتلة، وقرار مجلس الوصاية رقم (117) الصادر بتاريخ 1 شباط 1950م والمتعلق بانهاء اعداد مشروع نظام القدس (نظام دولي)، وقرار المجلس أيضاً رقم (118) الصادر بتاريخ 11 شباط 1950م والقاضي بدعوة كل من اسرائيل والاردن لابداء الرأي في تعديل مشروع نظام القدس الدولي.
ولا شك أن اسرائيل اليوم فيما يتعلق بالاونروا تحاول بشكل متسارع إنهاء وجودها والقضاء على مسألة حق اللاجئين بالعودة وبالتالي حل الدولتين، وفيما يخص الوضع القانوني لمدينة القدس، فان اسرائيل تسعى وفق منهج استيطاني الى تغيير هذا الوضع والضرب بعرض الحائط جميع القرارات الدولية الخاصة به، وللتذكير فإن اتفاقية امتيازات وحصانة الأمم المتحدة وقعت بتاريخ 13 شباط عام 1946م، وتنص الفقرة الثالثة من المادة الثانية منها على أن مباني المنظمة مصونة حرمتها، وتنص الفقرة (أ) من المادة الرابعة على صون حقوق موظفي المنظمة، وما يجر? اليوم من هجوم اسرائيل على المباني وقتل اكثر من 180 موظفاً من الاونروا في الاراضي الفلسطينية المحتلة، كله معارضة وتحدٍ وعدوان سافر على هذه المواد والقوانين الدولية.
وفيما يتصل بالموقف الاردني تجاه القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس فهو موقف ثابت وراسخ في دعم ومساندة الاشقاء في فلسطين المحتلة بما فيها القدس، ودعوة العالم الى انهاء الاحتلال والتاكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، ومن محطات هذا الموقف الاردني التاريخي المستمر حتى اليوم، أنه في شهر شباط من عام 1949م كانت الادارة الاردنية المباشرة على الجزء الشرقي من مدينة القدس، وهو الأمر الذي أنعكس اثره الكبير في المحافظة على الجزء الشرقي للمدينة من الا?تلال والابقاء على هويته العربية، وبتاريخ 22 شباط عام 2019م وفيما عرف بهبة باب الرحمة جاءت مطالبة الاردن الموجهة للاحتلال بضرورة الالتزام باحترام الوضع التاريخي القائم وعدم انتهاكه، وبتاريخ 2 شباط عام 2007م أعيد منبر صلاح الدين الى موقعه في المسجد الاقصى المبارك وبتوجيهات ملكية مباشرة.
وما يزال الموقف الاردني الصلب داعماً لحقوق الاهل في فلسطين والقدس، ومن ذلك مؤخراً بتاريخ 12 شباط 2025م لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله مع الرئيس الاميركي ترامب، حيث كرر جلالته موقف الاردن الراسخ في لاءات جلالته الثلاث (لا للتهجير ولا للوطن البديل والقدس خط أحمر)، ومطالبة العالم بالزام اسرائيل بالشرعية الدولية وقراراتها العديدة، فكما حمل شهر شباط من ذكريات ومحطات مؤلمة من انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي وعدم وجود الارادة الدولية الكفيلة بتفعيل القرارات الدولية، الا أنه على الرغم من ذلك حمل?أيضاً الثبات في الموقف الاردني المستمر بدوره الدبلوماسي والانساني الاغاثي في دعم الاشقاء في فلسطين والقدس وغزة، والذي سيبقى مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
ــ الراي