احمد ذيبان : فرصة أوروبا للتخلص من الهيمنة الأميركية

تشكل «السياسة الترامبية» نسبة الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرصة تاريخية للقارة الأوروبية أو ما توصف بـ«القارة العجوز» لتجديد شبابها، بالتخلص من الهيمنة الأميركية والتحول الى قطب فاعل ومؤثر في السياسة الدولية، وربما تتفوق في ذلك على كل من الصين وروسيا.
فهذه القارة تمتلك جميع المقومات اللازمة التي تؤهلها للعب هذا الدور، على مختلف الأصعدة بشرط أن تمتلك الارادة السياسية، فمن الناحية الاقتصادية هي دول صناعية من الدرجة الأولى، وتتمتع بعلاقات تجارية واسعة مع مختلف دول العالم، وعلى الصعيد العسكري والتكنولوجي لديها امكانات كبيرة جدا على تصنيع الأسلحة المتقدمة، خاصة وأن بينها دولتين نوويتين هما «فرنسا وبريطانيا».
ومنذ دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض في 20 يناير- كانون الثاني الماضي، دأب على الاستخفاف بحلفاء واشنطن الأوروبيين وتوجيه الاهانات لهم، ومطالبتهم بالاعتماد على أنفسهم في المجال الدفاعي، وبضمن ذلك زيادة مساهمتهم في موازنة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، بقوله يتعين على دول الحلف زيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة 5% من إجمالي إنتاجها المحلي، بارتفاع من نسبة الـ 2% التي كان قد طالب بها دول الحلف خلال فترة ولايته الأولى.
وقد كرر ذلك وزير الدفاع الأميركي «بيت هيغسيث»، في أول اجتماع له مع زملائه في الناتو في بروكسل بتاريخ 12 شباط الحالي، بقوله «يتعين على الدول الأوروبية أن تزيد بشكل كبير إنفاقها الدفاعي، وتتحمل الجزء الأكبر من تمويل أوكرانيا»، مستبعدا استمرار الوجود الأميركي في أوروبا إلى الأبد، مشددا على أن بلاده ستحقق السلام في أوكرانيا من خلال القوة، داعيا بما يشبه اصدار الأوامر للدول الأوروبية الى المشاركة بمحادثات السلام في أوكرانيا، حسب خارطة الطريق التي ترسمها ادارة ترامب!
وبدا الضغط الأميركي على أوكرانيا واضحا بما يشبه الانحياز الى جانب روسيا، في كلمة هيغسيث بقوله إن واشنطن لن تنشر قوات في أوكرانيا بموجب أي اتفاق سلام مع روسيا، وأن استعادة كييف لكل أراضيها أو انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي ليسا هدفين واقعيين.
وباستثناء الانحياز الأميركي الدائم الى اسرائيل، في الصراع الوجودي بين اسرائيل والشعب الفلسطيني، هذه أول مرة يبدو فيها «الوسيط» لانهاء حرب بين دولتين، منحازاً إلى طرف ضد آخر! وكان الرئيس الروسي بوتين قد أعرب مرارا عن استعداده للتفاوض، شرط أن تلتزم أوكرانيا بمطالبه، وهي: التنازل عن 4 مناطق في جنوب البلاد وشرقها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014، والتخلي عن فكرة الانضمام إلى الناتو!
وعلى ذكر أوكرانيا يجدر الاشارة الى عملية ابتزاز مفضوحة ضد كييف تمارسها ادارة ترامب، من خلال العرض الذي حمله وزير الخزانة الاميركي «سكوت بيسنت» وقدمه للرئيس الأوكراني زيلينسكي، للحصول على ملكية حوالي 50% من حقوق المعادن النادرة في بلاده، والتي جاءت بعد أن أشار ترمب إلى أن الولايات المتحدة تستحق نصف تريليون دولار من موارد أوكرانيا، مقابل مساعداتها المالية والتسليحية التي قدمتها في عهد ادارة بايدن، والى ذلك قال مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، إن بلاده تستحق «تعويضاً» من أوكرانيا لدعمها في الحرب أمام ?وسيا!
ووسط حالة التوتر التي سادت أجواء مؤتمر ميونخ للأمن، الذي عقد الاسبوع الماضي بسبب كلمة نائب الرئيس الأميركي «جي دي فانس»، قال كريستوف هويسغن رئيس المؤتمر إن دورة هذا العام كانت بمثابة «كابوس أوروبي»، معتبرا أن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تعيش على كوكب آخر، بسبب اتهام فانس أوروبا بقمع حرية التعبير وتهديد الديمقراطية.
وفي ازدراء آخر، التقى فانس مع قادة الأحزاب السياسية الألمانية، ما فسر بأنه تدخل في الشؤون الداخلية لألمانيا، وبدا التباين العميق واضحا في كلمة هيستغن الختامية في مؤتمر ميونخ التي اعتبر فيها: «أن قاعدة المبادئ المشتركة، لم تعد مشتركة بعد اليوم بين الدول الغربية».
وفي مشهد استحوذ على انتباه العالم، ومع حديثه عن هذه الاختلافات، فقد «هويستغن» السيطرة على مشاعره وبدأ بالبكاء ولم يستطع إكمال كلمته! ــ الراي
Theban100@gmail.com