رمزي الغزوي : اللغة الأم وحرمان الأبناء منها

احتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي للغة الأم، الذي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة لتعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي والترجمة، وحفظ اللغات المعرّضة للاندثار عبر حماية التجمعات البشرية المتحدثة بها، وحفظ تنوعهم الثقافي والاجتماعي.
بالطبع لا نعني باللغة الأم تلك اللغة التي يفترض بعض العلماء والباحثين أنها أصل للغات البشرية جميعها. فلا رأي ثابتا في هذا المجال، وليس ثمة دليل قطعي على أن اللغات الحديثة تنحدر من منبع واحد. اللغة الأم، هي اللغة الأولى والأصل للإنسان، أو ما يعرف باللغة الشريانية، وتلك التي تعرض لها الشخص منذ ولادته، أو في فترة حياته المبكرة، فترة البناء اللغوي. هي اللغة التي تعلمها المرء ونشأ فيها وعليها وسمعها من ذويه، مع أن هذا المصطلح قدا يغدو مفتقرا للدقة حين نتحدث عن أطفال تختلف لغتهم الأم، عن لغة البيئة التي يعيشون فيها.
ما زلت أرى أن اللغة الأم يجب أن تعطى مع الحليب للطفل في مهجعه الأول، ولا سيما في البيئات المختلطة، وفي المجتمعات المستلبة الضعيفة التي تغزوها وتهيمن عليها لغة أقوى، أو التي يرى أهلها أن لغتهم قاصر عن بلوغ المجد الذي تتمتع به لغة أخرى.
قبل عقود اقترح باحثون بضرورة تعليم الطفل لغات مختلفة في وقت واحد؛ للاستفادة من مرونة الدماغ وحيويته في سنواته الأولى. وهنا وتحت هذا المدار حدثت الطامة الكبرى، حين قوي الاطفال بلغة أجنبية على حسبا لغتهم الأم.
اليوم تدعو الدرسات الحديثة إلى التركيز على اللغة الأم وإعطائها مرتبة الصدارة والأولوية في حياة الطفل.
وتحذر هذه الدراسات من يتهاونون باللغة الأم أو يظهرون اتجاهها استخفافاً أو عدم تقدير، بأنهم سينتجون جيلا يعاني من مركبات نقص كبيرة ومدمّرة للشخصية، وهو ما نراه اليوم بأعيننا، ولا يحتاج إلى دراسات معمقة طويلة.
هذا الكلام في واد وما نراه في حياتنا اليومة في واد آخر. فكثيرون منا باتوا يعمدون إلى حرمان أبنائهم من لغتهم الأم على حساب لغات يعتقدون أن تعلمها في هذا الوقت يفيدهم ويعلي من شأنهم. ناهيك أن بعضا من الأسر التي تترك تربية أطفالها للخادمات الأجنبيات يرسخن لغتهم في وجدان الطفل.
حال لغتنا العربية كلغة أم لا تسر كثيرا على الرغم من أنها تتبوأ المركز الرابع بين لغات العالم من حيث الانتشار، وأنها إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وأن عدد الراغبين في تعلمها يزداد يوماً بعد يوم، إلا أن مكانتها ليست عالية بل تتراجع في نفوس بعض أبنائها، ولهذا يعمدون على ألا تكون لغة أم لأولادهم. وهنا المأساة.