الأخبار

حسين بني هاني : شطحات ترامب على الطائرة الرئاسية

حسين بني هاني : شطحات ترامب على الطائرة الرئاسية
أخبارنا :  

أثار ترامب في حديثه عن تهجير الفلسطينيين من غزة ، زوبعة صحافية وخلق لنا وله ، عبر الطريق الصعب للبحث عن السلام، معضلة سياسية ، هو ونحن أحوج ما نكون بعيدين عنها . فكرته غير المسؤولة هذه، والتي تفترض خضوع وقبول أهل غزة جزافاً لها ، وكأنهم شذاذ آفاق لا وطن لهم، فيها الكثير من الاعتباط السياسي ، وتنسجم تماماً مع رغبته الجامحة للخيال اللامنطقي . ومع انها تستحق منا الحرص والاهتمام والأخذ بالاسباب، إلا انها لا تستدعي بنظري كل هذا الكم الواسع من القلق والتوتر والخوف، الذي اجتاح المنطقة، وكأننا دول لاحول لها ولا قوة .

وللتذكير، فقد جرَّبنا ترامب قبل خمس سنوات ، وخرج منها خاوي الوفاض، وهي وفق ما عُرف عنه من شطحات فكرية ، لا تختلف كثيرا عن تلك التي اراد فيها مع صديقه إيلون ماسك ، أن يُسكِن فيها البشر على المريخ ، وبدت غمزته في الطائرة الرئاسية، وكأنها فلتة لسان ، واقرب للنزوة منها إلى الحقيقة المصنّفة على أنها خطة رئاسية قابلة للتنفيذ، وأظن انها لا تستدعي أن نخرجها عن سياقها ، ونكسبها زخماً لغوياً وتعبويا مفرطا يؤجج مشاعر الناس، ونكسوها بالتالي لحماً سياسيا ، فهو وبصرف النظر عن موقعه الرسمي ، رجل لا ينفكّ عن التفكير في العقار والاستثمار ، في ضوء الوضع القائم في غزة بعد تدميرها .

يدرك ترامب أن ما يتحدث عنه، هو جريمة حرب ، ويجوز لنا بهذا الخصوص، بافتراض حسن النية، أن نفكّر في هذه المساحة الضيقة، بايجاد مبرر معنوي لها ، يَجبُرُ فيه ترامب خاطر نتنياهو المكسور ، بعد أن أرغمه على وقف الحرب في غزة .

عُرِف عن ترامب بأنه رجل يحب تصدّر عناوين الأخبار، ويفهم بالمال والعقار ، إلا أنه في السياسة ، لا يعرف ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، خاصة بعد توقف الحرب في غزة ولبنان ، وهو ببداية عهده هذا ، وبهذا التصريح بالذات ، يذكّرني بقصة الثور الذي دخل مع صاحبه عنوةً على مخزن الخزف .لم يخدم ترامب بقوله ذاك لا مصالح حلفائه ولا حتى مصالح واشنطن ، ولا استعان حتى بصديق يسعفه النطق بعد أن لم يسعفه الحال .

قَصَد ترامب أم لم يقصد ، بقصة التهجير هذه ، فإن ما قاله هو تخريب واضح لسياسة أمريكا في المنطقة ، بل هو " امرٌ غير عملي " ، وفق المدافع الأشرس عن إسرائيل، السيناتور الأقرب لقلبه ليندسي غراهام . يعلم ترامب أن المصالح ليست طريقا بإتجاه واحد ، وان إطفاء الحرائق افضل من إشعالها ، ولكنه نسي في غمرة وصفه ان غزة مدمرة ، ولا تصلح للسكن ، بأن ذلك إقرارٌ صريح منه بصواب حجة الجنائية الدولية ، وان ما قامت به إسرائيل ، هو جريمة إبادة يستحق عليها نتنياهو العقوبة الدولية القصوى.

كلّ الساسة في الشرق الأوسط ، يعلمون علم اليقين أنّ عين ترامب ، على الأشقاء في السعودية والإمارات ، ولكنه لا يعلم ، أن قوله ذاك لن يلقى قبولاً طائعاً، ولا آذاناً صاغية عندهما ، حين يتعلق الأمر بمسألة التجاوز عن الحق الفلسطيني على الأرض وتشريد أهلها ،خاصة وأنهما(السعودية والإمارات) ومعهما الأردن ، من بين الدول العربية، التي أدركت مبكراً ، أن السابع من اكتوبر ، ما كان ليحدث، لولا روح الكهانة والتطرف ، الآخذة بالتمدد داخل الحكومة والمجتمع الاسرائيلي ، وهي ذات الروح التي عززت رغبة حماس للجنوح لذات الوجهة في غزة ، مشفوعاً بحقها بالمقاومة أيضاً .

في الختام ، إذا أراد ترامب أن يبتعد عن النزوات ، ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه في الشرق الأوسط ، فعليه أن يكفّ لسانه عن مثل هذه التخرصات، ويصغي لصوت صديقه ولي العهد السعودي بهذا الخصوص ، والذي أكّده اليوم الأمير السعودي، سفير مملكته في لندن، بأن السعودية لن تطبّع مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية ، والحل كما قال: "هو إقامة دولة فلسطينية "، وهو القول الذي من شأنه ان تقطع فيه السعودية قول كل خطيب .

مواضيع قد تهمك