الأخبار

بشار جرار : «الله يِعْمِرْها»

بشار جرار : «الله يِعْمِرْها»
أخبارنا :  

هي مقولة وصفي في الشام، وإن ذكرت بغداد قال «الله يحميها». حفظ التاريخ للشهيد وصفي التل الكثير من المواقف المشرفة إزاء وطنه الأول والأكبر، للأردن ولأشقائه العرب كافة، خاصة الأقرب إلى المملكة، أبناء سورية والهلال الخصيب.

ما كان ليخطر ببال أحد في ذلك الزمان أن الإعمار مشروع له شروطه الداخلية والخارجية. ساحات كثيرة من حولنا تنتظر إعادة الإعمار، منها لم يصلها الإعمار الحقيقي يوما، رغم التغني بالثورات والجلاءات والانتصارات.

يغفل البعض عن بلاغة المقولة وفراسة صاحبها. عفوية المنشأ هي، كونها ضاربة الجذور في المكونات الأصيلة لهذا الشرق المكلوم. الباني هو الله سبحانه. لا بناء دون رضاه. ولا عَمار يتم ويدوم إلا ببركته.

ما تنتظره سورية، لبنان، غزة، السودان، ليبيا وساحات أخرى في الجوار بما فيها غير العربي، في بحر بضع سنين، الكثير الكثير. ثمة خراب داخلي تراكمي آن الأوان للمجاهرة به، للمكاشفة حوله، للمصالحة الحقيقية مع الذات قبل الآخر، من أجلنا نحن جميعا. الخير إن حل عمّ. والخراب لا يخص أحدا. ما من بلاد أو شعوب محصنة، وقد كان لنا في كوفيد التاسع عشر عبرة.

الإعمار لا يصح ما لم تقم له قواعد أصيلة بسواعد محلية أولا، ومن ثم يكون عون الجار والأخ والصديق. ما كان عبثا قول الناس «جارك القريب» عند المفاضلة مع الأخ البعيد. البعد قد يكون جفاء أو قطيعة مع بالغ الأسى والأسف، وهو لا يقل أثرا عن البعد الجغرافي.

الإعمار يتطلب سلاما حارا لا باردا. لا أتحدث عن «بعبع أو تابو التطبيع» في ذهن البعض، بل أعني ذلك السلام الذي يمنحه رب السلام للخلق كافة. حتى ذلك المعنى السياسي الذي يثير حفيظة البعض، لا ضير فيه بل العكس تماما، فيه الخير كله. طبعا وقطعا شريطة أن يكون سلام الأخيار الأحرار. مقولة «سلام الشجعان» جربناها ثلاثة عقود ونيّف، وفشلت لأسباب قد تتيح لنا تداعيات صفقة إسرائيل-حماس ومن قبلها إسرائيل-حزب الله الخوض فيها لاحقا. ما يستحقه الناس بعد قرن من ويلات الحروب وعقود من الإرهاب وما تخللها من قمع وفساد، هو إعمار حقيقي -اجتماعي اقتصادي- لا مجرد إعادة إعمار إسمنتيّ.

المسألة ليست مقاولي بناء ولا متعهديه. القضية قضية بُناة يريدون حقا بناء وطنهم على أسس راسخة. البيت والوطن القائم على أسس ربانية يدوم كما هي أساسات الصخر، فما بالك إن كان البناؤون من الأنباط نسبا وانتسابا، ثقافة وانتماءً.

الله أسأل ألا نرى ولا نسمع بعد وقف إطلاق النار -والجميع يعلم أنه مشروط- على أي من الساحات التي يعنينها أمنها واستقرارها في الصميم، أيا من مظاهر اجترار الماضي واستجلاب دورة أخرى من أخطائه الكارثية التي لم تقتصر على مقترفيها ولا على شعوبهم وبلادهم.

بقية مقال بـشـار جرار

«الله يِعْمِرْها»

مخاطبة الآخر في هذه المرحلة الانتقالية للإقليم بأسره وساحات دولية أخرى من بينها أوكرانيا وغرينلاند وبنما وكندا، غاية الأهمية. ل ا يعني ذلك بالضرورة «الآخر» الذي يعجبنا. مقتضيات الإعمار وإعادة الإعمار تتطلب الاشتباك الإيجابي مع متعهديه ومناوئيه والتي قد تكون عدائيتهم لأسباب اقتصادية تجارية صرفة تتعلق بمشاريع إعادة الإعمار. من المهم التعرف على حوافز ودوافع الجميع حتى وإن كانت مخاوفهم مجرد هواجس أو مطالبهم أو مخططاتهم مجرد أضغاث أحلام، هذا لا ينفي الحاجة إلى الاتصال والتواصل. والواثق من نفسه لا يخاف، ما دام حراكه في النور وعبر القنوات والأدوات الصحيحة.

الأردن الذي قام منه وصفي طيب الله ثراه وكتب مقامه في عليين، ما زال عظيما زاخرا برجاله الأحرار الأخيار، البناؤون الأنباط.. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك