محمد داودية يكتب : أبو سليمان
أتحدث عن شخصية أردنية شعبية، بعيدة عن أضواء الإعلام والكاميرات والمايكات العامة، شخصية شاركت كل أهل المفرق، كل أفراحهم وكل أتراحهم.
شخصية ذات تأثيرٍ وأثر، وذِكر في مجتمع المفرق الجميل النادر الفريد، شخصية تحمل تلاوين بلادنا الثابتة الفاتنة، التي شكّلت نمط العيش الأردني الهين اللين اليسير.
لقد ظل مجتمع المفرق ينتخب أبا سليمان على مدى 16 عامًا عضوًا في بلدية المفرق، ومعه رفيقاه الشيخان عقلة الخزاعلة ابو رائد ونوفان الشواقفة ابو زيد، الذين شكلوا مقطعًا عرضيًا لبُنى المفرق الاجتماعية، وتلاوينها الخاصة، المفرطة في المحبة، وشيفرتها الغامضة التي لم يصل أحد بعد إلى أسرارها.
تعودت أن أسلك طريق عمان - جرش - المفرق، لأمرّ على دارة ابي سليمان في الذهاب أو الإياب، لمسامرة هذا الجذع الهائل الذي يمثل الاندماج الوطني الصلب، الذي يسهم في ترسيخه بلا تنظير أو مزاعم.
أبو سليمان أحد المراجع الاجتماعية الأردنية التي كرست الوحدة الوطنية في ازهى وأبسط وأنقى حالاتها.
كان حكمت سهاونة أبو سليمان، المسيحي الملتزم بالكنيسة، الذي استضاف كل بطرك حلّ في الأردن، ينتظر شهر رمضان المبارك على جمر الغضى، ويعطي رمضان حقه مثل أي مسلم محسن متصدق تقي.
يُسيّر ابو سليمان ونشامى السهاونة، مركبةَ المعونات الرمضانية، تتجول بين الأحياء وتقف أمام منازل الأسر العفيفة التي يحفظ ظروفها عن ظهر قلب، يقدم لها الاستحقاق الذي على كل أردني تجاه كل محتاج أردني، دون التمييز والنبش في التفاصيل وال دي. إن. آيه. وفصيلة الدم.
كان حكمت يتحول إلى ناسك رمضاني يملأ الفرح وجهه وهو «يُعزّب» على إخوانه المسلمين الصائمين في إفطارات رمضان التي كان يقيمها في دارته الرحبة.
رحل أبو سليمان الجاموع الأجودي، فكنت شان المئات من ابن اء المفرق، أترحم على روحه البارة في كنيسة المقبرة، ونذرف الدموع ونتقبل التعازي برحيله الموجع،
لقد تحقق للأردن نمط حياة، لا يقدّر بمال، نمط حياة صلب قوي رحب، مكننا من تحقيق القدرة على مواجهة التحديات والقدرة على تجاوزها.
كان أبو سليمان أحد دعائم هذا النمط الهائل الضخم.
يرحمه الله ويحسن إليه.
ــ الدستور