د. يزن دخل الله حدادين : «شرق أوسط جديد» من جديد
طل من جديد الحديث عن «شرق أوسط جديد» وجاء الحديث عن هذا المصطلح مؤخراً وبشكل مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. قد يكون ذلك انطلاقاً مما يعتبره «انتصاراً سياسياً وعسكرياً على قطاع غزة في فلسطين وحزب الله في لبنان. لكن ما هو المقصور بهذا المصطلح وكيف نشأ؟
"شرق أوسط جديد» هو مصطلح استخدمه بعض القادة والمحللين السياسيين لوصف تغييرات أو تحولات كبيرة في العلاقات الدولية والجغرافية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط. في بعض الأحيان، يُستخدم هذا المصطلح لوصف رؤية أو استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة أو تسوية القضايا العالقة بين دولها.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يُطرح فيها مصطلح «الشرق الأوسط الجديد»، وتعود أيديولوجيا «الشرق الأوسط الجديد» إلى طروحات المؤرخ البريطاني برناند لويس عام 1992 ولكن قبل ذلك وبعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، طرح شمعون بيريز مفهوم الشرق الأوسط الجديد. وقد استخدم هذا المصطلح وبشكل بارز في عام 1996 من قبل وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، ضمن سياق محاولات لتحسين العلاقات بين الدول في المنطقة بعد نهاية حرب الخليج الثانية. كما تبناه بعض السياسيين الإسرائيليين لتشجيع التعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية في مجالات مثل الاقتصاد والسلام.
كما تعد احداث 11 أيلول 2001 من أهم الدوافع التي دفعت بالولايات المتحدة لصياغة مشروع «الشرق الأوسط الجديد» حيث يعتقد الأميركيون أن العرب ككل وراء هذه الاحداث ويمكن القول إن واشنطن لم تعد تثق في قدرة الأنظمة العربية على حماية مصالحها وأن تأمينها بالخارج أمر لم يعد يجدي وحده بسبب ما حدث من اعتداءات في سبتمبر داخل الولايات المتحدة، ومن هنا تصور الفكر الاميركي أن استراتيجية الامن القومي الاميركي يجب أن تستند إلى إحداث تغيير جذري في الأنظمة التي تعتقد انها مسؤولة عن تفريخ من قاموا بعمليات سبتمبر وأن الصداقة وحدها مع بعض الدول العربية لا تكفي.
أصبحت الديمقراطية بمثابة حجر أساس للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك بعد أحداث 11 أيلول 2001، وارتبطت الموجة التالية من الحديث عن «شرق أوسط جديد» ببدء ما عُرف «بثورات الربيع العربي» في عام 2011، والتي أسست لحروب أهلية وانهيار عدد من دول المنطقة وأنظمتها. وما تزال الولايات المتحدة الأميركية تفتقر إلى استراتيجية واضحة ومستدامة في الشرق الأوسط. فمنذ احداث 11 أيلول 2001، ومنطقة الشرق الأوسط تشهد عدم استقرار فاستراتيجية نشر الديمقراطية والحرب على الإرهاب الذي أعلن عنها بوش الابن ظهرت كأنها فقط لإلقاء التهم على أنظمة الشرق الأوسط وإسقاط بعض الأنظمة العربية والسعي وراء تحقيق المصالح، ولكنها لم تحد من خطر الإرهاب والعمليات الإرهابية لا في منطقة الشرق الأوسط ولا في الغرب فهي على ما يبدو غير قادرة على فرض نمط ديمقراطي معين.
ان الحديث عن «شرق أوسط جديد» ارتبط في معظم الأحيان بحروب أهلية طاحنة في المنطقة العربية ناجمة عن الربيع العربي تحت شعارات عدة تراوحت بين فرض سلام زائف، أو نشر الديمقراطية أو القضاء على التنظيمات الإرهابية. ان الديمقراطية تنمو ببطء، وليس من خلال ثورات عنيفة، وعلى أميركا أن تتفادى الرغبة في تحقيق ديمقراطية في «شرق اوسط جديد» ما يزال غير مهيأ لها.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» يرتبط أحيانًا بالتطورات في مجال التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، مثل اتفاقات أبراهام (2020). هذه الاتفاقات كانت جزءًا من تحول في العلاقات، حيث تم الانفتاح على التعاون الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل.
قد يرتبط «الشرق الأوسط الجديد» أيضًا بتغيرات استراتيجية في المنطقة، بما في ذلك التأثيرات الاقتصادية، والتوسع العسكري لبعض القوى الكبرى (مثل الولايات المتحدة وروسيا)، وكذلك التغيرات في تحالفات المنطقة.
نعم، هنالك الآن مظاهر «شرق أوسط جديد» وفي ظل ذلك تحولت بعض دول الشرق الأوسط إلى اقتصادات أكثر انفتاحًا، متبنية سياسات الليبرالية الاقتصادية، حيث كانت هناك تدفقات كبيرة للاستثمارات الغربية في القطاعين النفطي وغير النفطي. لكن بالرغم من ذلك فإن بعض البلدان في المنطقة عانت من التداعيات الاقتصادية السلبية بسبب الحروب والعقوبات الدولية.
ان أثر «الشرق الأوسط الجديد» كان متعدد الأوجه فقد حمل معه فرصًا لتعاون اقتصادي وسياسي دولي، لكنه أيضًا جلب تحديات جديدة من حيث الأمن والاستقرار. التعامل مع هذه التحديات يتطلب إعادة صياغة التحالفات وتعزيز جهود السلام والإصلاح، مع استراتيجيات مرنة تواكب المتغيرات العالمية والإقليمية.
تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق ذات الأهمية الحيوية في العالم، وهذا راجع لأهمية موقعها الجغرافي إضافة إلى ما تحتويه هذه المنطقة من موارد وثروات طبيعية، هذا ما جعلها عرضة لمجموعة من التهديدات، خاصة في الآونة الأخيرة مثل الإرهاب، الحراك السياسي، التنافس الأجنبي على ثروات المنطقة، مسألة اللاجئين، انخفاض أسعار النفط. بالتالي مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» يتسم بالتعقيد والتنوع في معانيه واستخداماته، ويرتبط بشكل وثيق بالتحولات الجيوسياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والأمنية التي تشهدها المنطقة. على الرغم من ظهور بعض الجوانب الإيجابية إلا أن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية ما زالت قائمة، وستظل تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل ملامح هذا «الشرق الأوسط الجديد» في المستقبل.
محامٍ وخبير قانوني
ــ الراي
yazan.haddadin@haddadinlaw.com