الأخبار

أ. د. عبد الله ابراهيم الملكاوي : التصنيفات الجامعية .. بين العبثية والإنصاف

أ. د. عبد الله ابراهيم الملكاوي : التصنيفات الجامعية .. بين العبثية والإنصاف
أخبارنا :  

أصبحت تصنيفات الجامعات العالمية موضع جدل واسع في الأوساط الأكاديمية ، حيث تلعب دوراً مهماً في تحديد مكانة الجامعات وقدرتها على استقطاب الطلاب والموارد، وتشكل التصنيفات العالمية المعروفة دون ذكر الأسماء) أدوات لتقييم الأداء الأكاديمي والبحثي للجامعات حول العالم، إلا أنها تواجه تساؤلات متزايدة تتعلق بالمصداقية والشفافية، والمنهجية المستخدمة، ومدى قدرتها على عكس الجودة الفعلية للتعليم العالي.

تحولت معظم تصنيفات الجامعات، بإستثناء تصنيف شنغهاي (Shanghai Ranking)، إلى منظومات ذات طابع تجاري واضح، تعتمد على مؤشرات قابلة للتأويل، وبيانات ذاتية، واستطلاعات رأي تُعرف باسم "السمعة، وهي أدوات لا ترقى دائماً إلى القياس العلمي الدقيق، ورغم محدودية هذه المنهجيات فإن الدول العربية "على وجه الخصوص" تبدو الأكثر اندفاعاً للتفاعل معها، حتى أصبحت بعض الجامعات العربية تتعامل معها بوصفها معياراً وحيداً للتفوق.

وتقوم الجهات المعنية ذات الطابع التجاري بهذه التصنيفات بإدراج الجامعات العربية والترويج لتحسن ترتيبها، فيما تسعى بعض الجامعات العربية إلى الاعتراف الخارجي بأي وسيلة !!؟ ، مما يدفعها أحياناً إلى إعادة توجيه سياساتها لخدمة الترتيب السنوي، على حساب جودة التعليم، فتغلب الكم على النوع، وتستنزف الموارد، ويضيع التركيز عن وظيفتها ورسالتها الأكاديمية، في حين أن جامعات عديدة في دول متقدمة لا تعطي هذه التصنيفات أهمية كبيرة، ولا تعتبرها مرجعاً أساسياً في تقييم أدائها الأكاديمي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الكاتب أميت راي كاتب وفيلسوف ومعلم روحي هندي والمعروف بإسهاماته في مجالات التأمل واليقظة الذهنية والذكاء الروحي، يرى أن بعض الجامعات تُصنف وفق معايير سطحية وغالب تقيس ما هو سهل القياس ولا تعكس الجودة الفعلية. ومن هذا المنطلق يجب الذهاب إلى تصنيفات جامعية أكثر عدالة وإنصافاً، ونرى أن من الأنسب انسحاب الجامعات - وخاصة في الوطن العربي - من هذه التصنيفات غير الدقيقة، والتوجه نحو بناء تصنيفات محلية تستند إلى جودة التعليم، والبحث العلمي، والخدمات المجتمعية، بعيداً عن ثقافة هوس الترتيب الرقمي الذي يحصر التميّز في أرقام جامدة تضع الجامعات في خانة (1) أو (2) وغيرها، متجاهلة السياق الذي تعمل فيه ووظيفتها الحقيقية ورسالتها الأكاديمية والمجتمعية.

وتجدر الإشارة - بكل تقدير إلى أن المملكة العربية السعودية قدمت نموذجاً متقدماً وواعياً بهذا الخصوص، إذ لم تكتف بالاعتماد على التصنيفات العالمية، بل بادرت إلى إنشاء نظام وطني محلي لتقييم وتصنيف الجامعات السعودية - التصنيف السعودي العالمي (صقر) من خلال هيئة تقويم التعليم والتدريب والذي يراعي خصوصية البيئة التعليمية والتنموية في المملكة، وينسجم بعمق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، ويهدف هذا التصنيف إلى تعزيز جودة الأداء الأكاديمي والمؤسسي، ورفع كفاءة مخرجات التعليم العالي، وتحفيز التنافس الإيجابي بين الجامعات في مجالات التعليم، والبحث العلمي، والابتكار، وخدمة المجتمع.

ويعتمد التصنيف السعودي على مجموعة من المؤشرات الشاملة والمتوازنة، التي لا تقتصر على السمعة الأكاديمية، بل تشمل جودة العملية التعليمية، وكفاءة أعضاء هيئة التدريس، والإنتاج البحثي، والابتكار وريادة الأعمال، ومدى ارتباط البرامج الأكاديمية بسوق العمل، إضافة إلى مساهمة الجامعات في التنمية الوطنية وخدمة المجتمع المحلي، مع مراعاة الفروقات بين الجامعات من حيث حداثتها وتخصصاتها وطبيعتها بحثية، تعليمية، تطبيقية).

ويسهم هذا النظام في تمكين صناع القرار من تحديد نقاط القوة ومجالات التحسين، وتوجيه الموارد بكفاءة وفاعلية، كما يساعد الجامعات على بناء خطط تطوير استراتيجية تستند إلى بيانات واقعية ومؤشرات أداء واضحة، ومن خلال هذا التنافس المنهجي تسعى الجامعات السعودية إلى الارتقاء التدريجي والانتقال من المنافسة المحلية إلى الإقليمية ثم العالمية بما يعزز المكانة العلمية والمعرفية للمملكة العربية السعودية ويدعم دور الجامعات كمحركات أساسية للتنمية المستدامة وبناء اقتصاد المعرفة.

كما يمكن أن يشكل هذا التصنيف نواة لتصنيف جامعي عربي موحد ، يُعمم على الجامعات في مختلف الدول العربية، وينطلق لاحقاً نحو العالمية بوصفه تصنيفاً غير ربحي، مكملاً للتصنيفات الدولية القائمة - مثل تصنيف شنغهاي - لا منافساً لها، مع مراعاة الخصوصية التعليمية والثقافية للمنطقة العربية.

وبوصفي أكاديميا عاش وعايش العملية التعليمية والأكاديمية في عدد من الجامعات العربية وتابع عن قرب الواقع الأكاديمي وسبر تحولات الجامعات وتحدياتها من الداخل، فإن أكبر مقياس، وأصدق معيار، لأداء الجامعات هو ما تقدمه من تطور تكنولوجي ونهضة علمية تنموية تخدم البلد والمجتمع الذي تتواجد فيه تلك الجامعات وتتفاعل معه، لا ما تحصده من ثناء خارجي لا يعكس بالضرورة أثرها التعليمي أو التنموي.

* رئيس جامعة فهد بن سلطان / تبوك

* رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية سابقاً

مواضيع قد تهمك