الأخبار

د. مامون سليمان : الإعلام الرياضي: بين التحليل المهني و "فخ الاستفزاز"

د. مامون سليمان : الإعلام الرياضي: بين التحليل المهني و فخ الاستفزاز
أخبارنا :  

​تعد كرة القدم، بمشاعرها المتدفقة وتذبذبها الحاد بين نشوة الفرح وانكسار الحزن، مادة دسمة للإعلام. وفي غمرة البطولات الكبرى، تتحول الاستديوهات التحليلية إلى شريك أساسي في صناعة المشهد. لكن هذا المشهد اليوم بات ينقسم إلى تيارين متناقضين: تيار يقدس المهنية ويرتقي بوعي المشاهد، وتيار آخر اختار أن يكون "بوقاً" لإثارة الفتن وكسب المشاهدات على حساب الأخلاق الرياضية.

​مدرسة الحجة والبرهان
​في جانب الضوء، تبرز نماذج مهنية استطاعت أن تفرض احترامها عبر تقديم تحليل علمي دقيق بعيداً عن لغة "التطبيل" أو الانحياز الأعمى. ولعل برنامج "أكشن مع وليد"، الذي يقدمه الإعلامي وليد الفراج عبر قناة MBC Action، يقف كنموذج للاحترافية في الطرح. يعتمد البرنامج على تفكيك مجريات المباريات بناءً على منطق كروي وحجج دامغة، مستعيناً بمحللين من طراز رفيع كعماد السالمي وغيره، ممن يضعون "المشرط" على مكامن الخلل الفني دون محاباة لنادٍ أو منتخب. هنا، يصبح الإعلام وسيلة لضبط المشاعر وتفسير الواقع، لا لتزييفه.

​صناعة الاستفزاز "الترند" أولاً
​على الضفة الأخرى، نجد برامج تدار بـ "احترافية مصطنعة". في هذه المنصات، يظهر المذيع في ثوب المتزن، بينما تُترك مهمة "التجييش" لضيوف يتم اختيارهم بعناية فائقة؛ لا لخبرتهم الفنية، بل لسماتهم الشخصية التي تمزج بين النرجسية والفقر المعرفي. هؤلاء الضيوف هم الأدوات المرسومة لبث الرسائل الاستفزازية ورفع فرق على حساب أخرى دون ضوابط منطقية، والهدف المعلن هو "الترند" وتصدر منصات التواصل الاجتماعي.

​إنها لعبة الأرقام التي تضحي بالمهنية من أجل عدد "اللايكات" و"المشاركات"، حيث يتحول الاستديو من فضاء للنقد الرياضي إلى ساحة للصراخ وتصفية الحسابات.

​المراسل الفظ.. معركة لا كرة قدم
​لا يتوقف الأمر عند حدود الاستديو، بل يمتد إلى أرض الملعب عبر مراسلين يفتقرون لأدنى مهارات التواصل الإنساني. هؤلاء المراسلون يتعمدون استنطاق الجماهير بأسلوب فظ واستفزازي، خاصة في لحظات الانكسار، وكأنهم يجرون لقاءات في "معركة حربية" وليست مباراة كرة قدم. هذا النوع من التعامل لا يستهدف نقل نبض الشارع بقدر ما يستهدف "صيد" ردود فعل غاضبة تزيد من حدة الاحتقان الجماهيري.

​كلمة أخيرة
​إن دور البرامج التلفزيونية يتجاوز مجرد نقل الحدث؛ إنها أمانة تقتضي ضبط المشاعر وتهذيب التنافس. فإذا لم يكن الإعلام الرياضي وسيلة للرقي بالذائقة وامتصاص التوتر في تلك التسعين دقيقة الحرجة، فإنه يتحول إلى أداة هدم وتفرقة. على القائمين على هذه البرامج أن يدركوا أن بناء المصداقية يحتاج لسنوات، لكن هدمها لا يحتاج إلا لـ "بوق شيطان" يبحث عن ضجيج مؤقت على أنقاض الروح الرياضية.

مواضيع قد تهمك