احمد حمد الحسبان : السجائر الإلكترونية.. قرار غير مفهوم
بما يشبه الصدمة، تعامل الشارع الأردني مع القرار الحكومي الأخير بتخفيض الجمارك على السجائر الإلكترونية وملحقاتها. والذي اعتبره البعض معاكسا لـ» التيار» الذي يحارب التدخين، والذي كانت الحكومة تقدم نفسها داعمة له، وأنها تتبنى بعضا من تفاصيله من زاويتين، الأولى، محاربة التدخين كمسبب رئيسي للسرطان ـ وفقا للكثير من الأبحاث ـ والثانية، أن عوائد الجمارك المفروضة عليه تشكل أحد ابرز أركان إيرادات الموازنة العامة للدولة. كما تنظر الى الجمارك المرتفعة كأداة لمحاربة التدخين.وبالتالي كانت النظرة العامة لمثل تلك الخطوة وكأنها من المحرمات، وأن بند الإيرادات الجمركية للسجائر يحظى بالاهتمام الحكومي من حيث المراجعة الدورية صعودا وليس تخفيضا. وكانت المحصلة تزايدا في شكوى المدخنين الذين يتحفظون على الارتفاعات المتواصلة في التعرفة الجمركية على سجائرهم.
اللافت هنا، هو الصمت الحكومي، فلم يسبق القرار أي محاولات للتمهيد له، ولم يلحقه أي توضيح حول مبررات قرار التخفيض الذي أثار ردود فعل واسعة على مستوى الجهات المعنية بمحاربة التدخين أولا، وتلك المعنية بالتعامل مع مرض السرطان وقاية وعلاجا.
فردة فعل تلك المرجعيات ذات الدور البارز في التوعية، والوقاية، والعلاج، والتي فوجئت بالقرار تحاول الإجابة على فرضيات تجتهد بأنها من الممكن أن تكون سببا في اتخاذ الحكومة لمثل تلك القرار، ومنها ما يروج على نطاقات ضيقة بأن التدخين الالكتروني مختلف عن السجائر العادية وأن الضرر الناجم عنه قليل مقارنة بالتدخين التقليدي.
وهي الفرضية التي تجمع كافة المرجعيات المختصة على أنها لم تثبت فعليا، وأنها مجرد حديث شارع لا يستند إلى دراسات علمية أو أبحاث أو حتى استطلاعات مبدئية. مع تأكيدات بأنه لم تجر أي دراسات علمية معمقة حول هذا الموضوع حتى اللحظة.
وعلى العكس من ذلك تتسرب تصريحات لخبراء ومختصين دوليين لا تبرئ التدخين الإلكتروني من أن يكون سببا في مشاكل صحية خطيرة من بينها السرطان. يمكن أن تشكل قاعدة لدراسات أكثر عمقا وتحليلا في المستقبل.
وكل ما يمكن الكشف عنه ـ على مستوى المتعاملين مع هذا الملف ـ أن التدخين هو ذات التدخين، وضرره ذات الضرر، حتى ولو كانت هناك فرضية أن الضرر مختلفا من حيث النسبة والنوع.
من هنا ومع القناعة بأن للقرار سلبيات عديدة، من بينها فرضية زيادة نسبة المدخنين، وبالتالي نسبة المعرضين لأخطار الإصابة بالأمراض ذات العلاقة بالتدخين وفي مقدمتها أمراض السرطان. ما يرفع الكلفة على الدولة التي تؤمّن كافة المواطنين ضد هذا المرض وعلى الهيئات والمراكز المعنية بمعالجة المرضى. حيث تشير دراسات موثوقة كشف عنها الدكتور منذر الحوارات ـ أحد كتاب الغد ـ مدير مركز سميح دروزة للأورام فإن» كل دينار يُحصّل من التبغ يقابله ـ 3 ـ 5 دنانير تكلفة صحية لاحقة.
وفي البعد المادي وانعكاسات مثل هذا القرار على الخزينة، ومع القناعة بأن المواطن مرهق من كثرة الأعباء الضريبية، ومنها الرسوم الجمركية، وأنه بحاجة ماسة إلى التخفيف عن كاهله مثل تلك الأعباء، فمن المستغرب جدا أن يوجه التخفيض نحو السجائر الإلكترونية.
فمن حيث المبدأ، الموازنة لا تعاني من فوائض تجعل الحكومة تفكر في التخفيض، الأمر الذي يزيد من غموض القرار. إلا إذا كانت الفرضية التي تتردد على نطاق ضيق صحيحة أو قريبة من الصحة، والتي تقول إن الجمارك التي تجنيها الحكومة من بند السجائر الالكترونية كبيرة ومغرية، وتزيد عما يتم تحصيله من السجائر العادية. وأن الهدف من القرار ـ قد يكون ـ شبيها بالعروض الهادفة إلى تحويل المدخنين نحو السجائر الإلكترونية ذات العائد الجمركي المرتفع.
بالطبع، لا أتبنى هذه الفرضية وأترك الكرة في مرمى الحكومة لتوضيح كافة ملابسات القرار. كما أتركها في مرمى وزارة الصحة لبيان وجهة نظرها في الملف ككل من زاوية صحية لا من زاوية مالية.
أما الحديث عن أن القرار يهدف إلى الحد من عملية التهريب النشطة لجهة أنه يقدم سلعة بسعر مناسب وجودة عالية ويوجه المدخنين نحو السجائر المستوردة بطرق قانونية، فلا يمكن التعويل عليه كمبرر مقنع. فالتخفيضات الجمركية غير كافية لتحقيق المنافسة مع المهربين الذين لا يدفعون رسوما جمركية، ولديهم هامش ربحي واسع يزيد عن القيمة القانونية للرسوم الجمركية، ومرونة كافية للتعامل مع السوق. ــ الغد