محمد حسن التل يكتب : فضائل حرب غزة !!!
أثناء الحرب على غزة كان الجيش الإسرائيلي يتفاخر بأنه استطاع تدمير البنية التحتية العسكرية واللوجستية للمقاومة هناك، وأنه قتل أكثر من 60 % من عناصر حماس وباقي فصائل المقاومة .
اليوم تهدد إسرائيل بعودة الحرب إذا لم يتم نزع سلاح حماس وتفكيك بنيتها التحتية العسكرية، وهذا ينسف كل ما كانت تردده القيادة الإسرائيلية أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالم أنها أنجزت المهمة في غزة..
تعلم إسرائيل أن بنية حماس العسكرية تقوم على ثلاثة أضلع، العنصري البشري ومعامل بدائية لصناعة الصواريخ والمتفجرات وكذلك الأنفاق، وكما أشرت إسرائيل كانت تعلن كل يوم أثناء الحرب أنها تقدمت أكثر من اليوم الذي سبقه نحو إنهاء تدمير كل هذا، ونتياهو يدرك أن حماس خسرت معظم قدراتها العسكرية والبشرية، وأنها لم تعد تهدد بما يسميه بالأمن الإسرائيلي خصوصاً بعد دخولها بالعملية السياسية وقبولها بكل مقترحات الوسطاء، لكنه يصر على وضع شروط تعجيزية لإكمال مراحل الاتفاق الناتج عن مبادرة ترامب، وتفسير هذا أنه لا يريد أن يتخلى عن النزول على مواقف وارادة حلفائه في الائتلاف الحكومي الذين يصرون على استئناف الحرب واحتلال غزة بالكامل وعودة الاستيطان إليها، مع العلم أن حماس بشهادة الأمريكيين أنفسهم والوسطاء أوشكت على القيام بكافة التزاماتها كما طلب منها في المرحلة الأولى للاتفاق، وأنها في طريقها إلى إغلاق ملف الجثامين الإسرائيلية بعد أن كانت قد سلمت كل الرهائن الأحياء منذ اليوم الأول لبدء تنفيذ هذه المرحلة، وفي المقابل يستمر الجيش الإسرائيلي بقصفة لكل مناطق غزة ومازال الشهداء يتساقطون في كل يوم!!.
واشنطن تدرك أن نتنياهو غير جاد في تنفيذ الاتفاق، ويضع العراقيل والشروط التعجيزية أمام المسير الجدي نحو المرحلة الثانية والثالثة، ويبدو أنها بدأت تضيق به وهذا ما يفسر الضغط الأمريكي الكبير عليه لإتمام المراحل المتفق عليها، لأن الإدارة في واشنطن تصر على إغلاق هذا الملف لأسباب عديدة ، أولها رغبة ترامب بإضافة علامة جديدة إلى ملفه في إنهاء الحروب في العالم، كذلك الرغبة في تنفيذ المشروع الإقتصادي الموجود في ذهن الرئيس الأمريكي في غزة.
الحرب على غزة وما فعلته إسرائيل جعلت أن معظم المؤسسات والكيانات اليهودية في الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل تتململ رافضة ما يمارسه نتنياهو واعتبار سلوكه يعريض المصالح الإسرائيلية إلى أقصى درجات الخطورة ليس فقط في أميركا، بل على مساحة العالم خصوصاً على مستوى الرأي العام، وهذا العنصر بالذات يشكّل في معظم ضغطاً كبيراً على السياسات في مراكز القرار الغربية، ويدفع أصحاب القرار فيها إلى النزول على رغبة الشارع وهذا ما حدث فعلاً في كثير من الدول خلال العامين الماضيين ..
هذا الواقع يرى فيه الكثير من يهود العالم أن إسرائيل باتت تتراجع، في أهميتها عند الغرب، حتى تلك المنظومة التي أسست إسرائيل فهي نفسها اليوم أصبحت تعيد النظر بمواقفها الداعمة لها، وهذا يجعل من القلق الوجودي ينمو في العقل الإسرائيلي على مستوى الدولة العميقة وعلى مستوى المفكرين والمنظرين اليهود سواء داخل إسرائيل أو خارجها.. إضافة إلى ان الدولة العبرية أدخلت نفسها في قفص ضيق في المنطقة بعد أن اقتربت بأن تكون جزءاً أصيلاً فيها بفضل الانفتاح العربي والقبول بها كدولة فاعلة في منطقتنا..
معظم دول المحيط باتت ترى أن إسرائيل تشكّل خطراً على أمنها الوطني، ليس بسبب غزة فقط، بل بما تقوم به في مواضع كثيرة في المنطقة من تصرفات عدائية تكشف عن مخططات خبيثة تجاه كل من حولها، مثل سوريا ولبنان وإعلان عدائها لتركيا ناهيك عن صراعها من إيران، حتى الدول الموقعة معها على اتفاقيات سلام مثل مصر والأردن لم تسلم من التفكير العدائي من قبل قادة إسرائيل اليوم الذين تسكنهم عقلية السيطرة على كل من حولهم بكل الأساليب حتى لو كان الدم هو الطريق الوحيد أمامهم.
نتياهو ومن معه أدخلوا إسرائيل في مأزق كبير ربما لا تستطيع الخروج منه ليس على مستوى محيطها فقط، بل على مستوى داعميها وحلفائها على مدى ثمانية عقود خصوصا أولئك الذين كان لهم دور أساسي محوري في إنشائها مثل بريطانيا وفرنسا..
الأوراق العربية والفلسطينية على الطاولة ربما أصبحت أكثر من الأوراق الإسرائيلية بعد أن تبين للعالم الوجه الحقيقي لهذة الدولة وأنها ليست كما تدعي جزيرة منيرة في محيط مظلم، بل على الحقيقة هي آلة للقتل والتدمير لكل من حولها ولا تقبل التعايش مع الآخر...
إن أهم نتائج حرب غزة أن الأجيال الجديدة في الغرب لم تعد كما كانت كسابقاتها حبيسة صورة نمطية مغلوطة عن الصراع في فلسطين، وأن الإسرائيين هم الضحية وثبت لهم أن هؤلاء هم الجلادون.. فهل يستغل الفلسطينيون والعرب التغير الجديد على المستوى الدولي لصالح الحقوق الفلسطينية، أم يظل العرب يتمترسون خلف المصالح القطرية ويظل الفلسطينيون يدورون في مساحة الصراع الفصائلي متجاهلين الاستفادة من "فضائل" الحرب على غزة؟!!.