فاروق حضراوي.. صوت عرفات الذي لا يُنسى

في لحظةٍ مهيبة، يصمت الصعيد، وتتهيأ القلوب، ثم يعلو النداء من مسجد نمرة.. صوتٌ رخيمٌ طالما رافق يوم عرفة، حتى صار جزءاً من طقوسه المقدّسة. إنه صوت الشيخ فاروق بن عبدالرحمن حضراوي، المؤذن الذي اعتلى منبر عرفة لسنوات، فأصبح اسمه مرادفاً لصوت التلبية والسكينة في قلوب الحجيج.
وُلد حضراوي في الطائف عام 1365هـ، لكنه نشأ في مكة، وفي رحابها تشكلت بصمته الروحانية والصوتية، متشرباً من المآذن الحجازية القديمة، وذاكرة الصوت المكي العتيق. منذ عام 1394هـ، بدأ في مسجد العمرة، ليصل بعدها إلى المسجد الحرام، ويكون أحد من تشرفت أصواتهم بنداء الحق من جوار الكعبة.
لكن المكان الذي اقترنت به ملامح صوته أكثر من غيره كان مسجد نمرة في صعيد عرفات. فطوال أكثر من 30 عاماً كان الشيخ فاروق هو المؤذن الرسمي لذلك الموقف العظيم، يرفع الأذان ظهر التاسع من ذي الحجة، حين تحتشد الأرواح على موعدٍ مع الغفران، وحين يكون الصوت ترجماناً للسكينة والرهبة.
في أذانه، يتماهى الحجازيُّ الأصيل مع حُسن الأداء وجلال المناسبة. لا يُغني، ولا يستعرض، بل يترك للصوت أن يكون دعوةً خاشعةً لله، وللأذن أن تُنصت. بذلك، صار صوت حضراوي وثيقةً سمعيةً من وثائق الحج، تُستعاد كل عام، وتُخلَّد في وجدان من شهد الموقف أو سمعه.إنه ليس مجرد مؤذن، بل صفحة من صفحات مكة، وصوتٌ من أرشيف عرفة لا يُمحى.