د. رعد محمود التل : ما هي حزمة الحوافز التي قُدِّمت في الطفيلة الصناعية؟

رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الأردنية
تشهد المناطق الصناعية في جنوب الأردن، لا سيما منطقة الطفيلة الصناعية، تحولات جوهرية في جاذبيتها الاستثمارية، مدفوعة بجملة من الإجراءات والقرارات والحوافز الحكومية التي تستهدف تحفيز الاستثمارات، خاصة الأجنبية، وتوجيهها نحو المناطق الأقل نمواً والأعلى في نسب البطالة. تلك القرارات الهامة جاءت مركّزة على محاور أساسية من خلال التخفيضات المتتالية على أسعار الأراضي، والدعم المباشر لتكاليف الطاقة والعمالة، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية. هذه القرارات تشكل نواة استراتيجية تهدف إلى جعل هذه المناطق مراكز صناعية تصديرية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية تحديداً.
أحد أبرز هذه القرارات تمثّل في تخفيض سعر الأراضي في منطقة الطفيلة الصناعية إلى 5 دنانير للمتر المربع، بعد أن كان سابقاً 10 دنانير. هذا التخفيض، وهو الثاني خلال أشهر، يعكس توجهاً حكومياً جاداً نحو تحفيز الاستثمار عبر تخفيض كلف التأسيس، وهو ما شجع عدداً متزايداً من المستثمرين، خصوصاً الأجانب، للنظر في مناطق الجنوب – الكرك، الطفيلة، ومعان – كوجهات للاستثمار الصناعي البديل.
لكن هذا التوجه يصطدم بتحدٍّ رئيسي يتمثل في ارتفاع كلفة إيصال المنتجات إلى السوق المحلي، بسبب كلفة النقل العالية. ولمواجهة هذا التحدي، تبنت الحكومة سياسات داعمة مباشرة أخرى، شملت تحمّل كلفة الكهرباء للمصانع الجديدة خلال السنوات الثلاث الأولى من التشغيل بشكل كامل، ثم تقديم إعفاءات متدرجة لمدة عشر سنوات إضافية (75% للأعوام الخمسة الأولى، 50% للثلاثة التالية، و25% للعامين الأخيرين). فتكاليف الطاقة تُعدّ من أبرز المعوقات التي يواجهها القطاع الصناعي، وبهذا الإجراء، فإن الكلفة الفعلية للطاقة للمستثمر تؤول إلى الصفر خلال أول خمس سنوات!
وتكاملت هذه الحوافز مع دعم مباشر لتكاليف العمالة، حيث ستساهم الحكومة بتحمّل نحو 50% من الحد الأدنى للأجور لمدة خمس سنوات، مما يخلق بيئة جاذبة من حيث الكلفة مقارنة مع دول الجوار، إضافة إلى إعفاء رسوم مناولة البضائع في ميناء العقبة بنسبة 50%، بهدف دعم الصادرات الصناعية من المناطق الجنوبية، ما يجعل الطفيلة الصناعية مرشحة لتكون مركزاً لصناعات تصديرية لا تستهدف السوق المحلي، بل الأسواق الخارجية عبر ميناء العقبة.
على صعيد الضرائب، فإن المناطق التنموية الصناعية تحظى بمعدل ضريبة دخل لا يتجاوز 5% مقارنة بـ20% في بقية المناطق، إضافة إلى استفادة الشركات والمصانع في الأردن من اتفاقيات التجارة الحرة التي تتيح دخول المنتجات الأردنية إلى عدد كبير من الأسواق الدولية بدون رسوم جمركية.
كل هذه الحوافز تهدف إلى تغيير واقع يحتاج إلى متابعة واهتمام كبير. فعلى مدار السنوات الماضية، اتُّخذت قرارات جيدة، لكن عدم متابعتها جعل منها حبراً على ورق! وهو ما يعكس الواقع الفعلي، إذ إن حجم الاستثمار الفعلي في منطقة الطفيلة الصناعية لا يزال محدوداً، والمنطقة الصناعية التي تمتد على مساحة 280 دونماً، لم يُستغل منها سوى 10%. ويعمل فيها حالياً نحو 127 عاملاً فقط، موزعين على 7 مصانع قائمة، فيما 3 مصانع أخرى قيد التجهيز، والبقية مشاريع لا تزال ضمن إطار الاتفاقيات دون تنفيذ فعلي. هذا التباين بين الإمكانات المتاحة والاستثمار الفعلي يطرح تساؤلاً مهماً: ما الذي ينقص لإحداث الانطلاقة الحقيقية؟
تشير البيانات الرسمية إلى أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة في عام 2024 بلغ نحو 1.637 مليار دولار، ما يمثل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا الرقم متواضع أمام الإمكانيات والقدرات التي يمتلكها الاقتصاد الأردني. واستقطاب جزء من هذه التدفقات إلى المناطق الجنوبية يتطلب عملاً إضافياً على مستويين: أولاً، التواصل المباشر مع المستثمرين المحليين والدوليين لتحديد طبيعة المشاريع الممكن تنفيذها بناءً على المزايا المحلية؛ وثانياً، إعداد دراسات جدوى أولية دقيقة توضح تفاصيل المشاريع المحتملة، من حيث عدد الوظائف، الكلف، المبيعات، التدفقات النقدية، والعائد الاستثماري المتوقع.
لم يعد التحدي الأكبر اليوم في توفير البنية التحتية أو الحوافز، فهي متوفرة، بل في بناء حلقة الوصل بين ما هو متاح وما هو ممكن. فقد قدمت الحكومة حزمة متكاملة من الدعم تشمل كلف الطاقة، والعمالة، والأراضي، والضرائب، والتصدير، وتبقى الخطوة التالية هي توجيه الاستثمارات نحو صناعات ذات قيمة مضافة عالية وأسواق خارجية، حتى لا تبقى الطفيلة الصناعية مشروعاً على الورق فقط، بل قصة نجاح جديدة في التنمية الصناعية في الأردن.