الأخبار

محمد نصرالله فرج يكتب : الشهيد العزام ـ دم ينبت حرية في صخور جبل النار

محمد نصرالله فرج يكتب : الشهيد العزام ـ دم ينبت حرية في صخور جبل النار
أخبارنا :  

بقلم ـ محمد نصرالله فرج :

في ذاكرة النضال الأردني والفلسطيني، حيث تنسج الملاحم بخيوط من نور ودم، تسطع قصة الشهيد عبد الكريم جدعان العزام، الذي ارتقى عام 1967 على تلال جبل النار في نابلس، الموقع الذي شهد أشرس معارك الدفاع عن المدينة بين 15 و21 تموز 1967، مدافعاً عن فلسطين بإيمان جعله يحاصر الموت ببندقيته قبل أن يحاصره.

لم يكن العزام في نابلس حين اندلعت الحرب، بل كان في إجازة رسمية بعيدا عن خطوط النار، لكنه حين سمع دوي المدافع لم يتردد، فنابلس تدعوهُ والواجب لا يؤجَّل، هكذا قال للعائلة وهو يودع أطفاله وزوجته الفاضله الوداع الأخير، لينطلق مسرعا نحو الجبهة، حاملا سلاحه وقلباً يخفق بعهد الوفاء للأرض، أصيب خلال المعركة، لكنه رفض أن يسقط بندقيته، ظل يطلق النار حتى فقد وعيه، ليروي بدمائه تراباً مُقدساً.
قال عنه ابنه فواز الذي فقده وهو طفل صغير لاحقا:
هذا التراب هو وطني.

بعد خمسين عاما، وقف فواز العزام أمام قبر أبيه لأول مرة في نابلس، الطفل الذي بكى والده في طفولته، صار رجلا يحمل في عينيه وفاء ذاك الطفل ذاته.
حبات الرمل المتساقطة من قبضة يدي فوق القبر، شعرت أنها تلامس جبين أبي، كأن الزمن انكسر ليعانقني، خمسون عاما من الشوق اختصرتها لحظة واحدة: هنا إستقر بطلي.
أبي لم يُدفن في نابلس، بل بُعثَ فيها حارساً.
يضيفُ فواز: أهلها سقوا قبره بدموعهم وأزهارهم كما لو كان ابنا لهم، هذه الأخوة لا تنقل، إنها تورث.

اليوم، بينما يقف أحفاد الشهيد أمام نصب الجندي المجهول في الاردن، تروى لهم حكاية الجد الذي حول جبل النار إلى شعلة أمل.
دمه الممزوج بتراب فلسطين صار بذرة حرية في جسد كل جندي عربي.

قصة عبدالكريم العزام لا تنتهي عند الاستشهاد، ففي متحف القوات المسلحة الأردنية ما زال دفتر إجازته موجوداً يروي قصة البطل الذي قطع فيه راحته ليبدأ رحلته إلى الخلود، وعلى جبل النار نبتت زهور حمراء يسميها أهل نابلس زهور العزام، يقولون إنها تتفتح كل صيف بلون الدم.

في الذكرى الخمسين لاستشهاده لم يغب عبدالكريم، فالأبطال لا يموتون، بل يصيرون أرضاً تُنبِتُ القيم، ورياحاً تحمل للأجيال صوتاً وتضحيةً وفداء.

مواضيع قد تهمك