الأخبار

المستشار محمد صالح الملكاوي يكتب : من عمّان إلى شوشا ... صوتٌ أردني للمطالبة بالحق والعدالة في قضية أذربيجان الغربية

المستشار محمد صالح الملكاوي يكتب : من عمّان إلى شوشا ... صوتٌ أردني للمطالبة بالحق والعدالة في قضية أذربيجان الغربية
أخبارنا :  

• بقلم: المستشار محمد صالح الملكاوي
ليس من السهل أن يُنتزع تاريخ أذربيجان الغربية من جذوره، أو أن يُنتزع شعبٌ أذربيجان الغربية من أرضه، وأن يُطلب من شعب أذربيجان الغربية أن ينسى تاريخه وحضارته، وأن يتخلى هذا الشعب الطيّب عن ذاكرته، أو أن يقبل بطمس هويته، التي عمرها آلاف السنين.
فهذا تماماً هو ما جرى ويجري حالياً لشعب جماعة أذربيجان الغربية في جمهورية أذربيجان، الذين تعرضوا خلال القرن الماضي لواحدة من أبشع عمليات التهجير الثقافي والقسري في العالم، ومع ذلك، فإن صوتهم لا يزال حياً... حياً في ذاكرة الأحرار والشرفاء والأمناء، وفي ضمير كل من ينادي بالسلام العادل على مستوى العالم.
ومن موقعي كأردني، وإنسان، وإعلامي، وسفير لثقافة السلام، وكرئيس لوحدة ثقافة السلام في الشرق الأوسط، أعبر عن كامل تعاطفي مع جماعة أذربيجان الغربية، ومع حقهم المشروع، الذي لا يسقط بالتقادم، في العودة إلى أراضيهم الأصلية، والحفاظ على تراثهم العميق العريق، الذي تم طمسه أو تشويهه أو نسبه إلى غيرهم.
وأرى بأن ما كشفته الوثائق المُقدّمة خلال المؤتمر الذي نظمته سفارة جمهورية أذربيجان في الأردن مؤخراً، بالتعاون مع جماعة أذربيجان الغربية بعنوان "السير على خطى التقافي لأذربيجان الغربية"، (وشارك فيه من أذربيجان الأستاذة الدكتورة غولشوهرا محمدوفا رئيسة جامعة أذربيجان للهندسة المعمارية والبناء، والدكتور غالب قاسيموف رئيس الجهاز لجماعة أذربيجان الغربية، وسفير جمهورية أذربيجان في الأردن إيلدار ساليموف، إضافة إلى خبراء أردنيين وعرب)، يؤكد بأن هناك عملية مدروسة من التهجير العِرقي والثقافي لجامعة أذربيجان الغربية، طالت مُدناً ومساجد ومواقع أثرية، وتم خلالها إزالة معالِم ورموز ثقافية ودينية ومعمارية ترمز لهوية أذربيجان وشعبها.
حيث طالت سياسات التهجير والتطهير الثقافي في أذربيجان الغربية، وخصوصاً في المناطق الواقعة بين (شوشا) عاصمة الثقافة الأذربيجانية وحتى (إيروان)، عدداً كبيراً من المدن والقرى والمعالم التاريخية التي تشهد على الوجود العريق للشعب الأذربيجاني، ومنها إيروان، وجعفرآباد، وسردارآباد، ويازآل، وآغ كلسة، وشكي، وكابالاك، وأغدام، وأخيتوكلو، وغيرها من البلدات. كما شملت هذه الانتهاكات تدمير معالم معمارية بارزة مثل قلعة سردارآباد، وقلعة إسماعيل خان، وقصر السردار في إيروان، وقلعة حسين قولو خان، إلى جانب إحراق وتخريب مساجد تاريخية منها مسجد حسين علي خان، ومسجد تشترلي، ومسجد جعفر بك، ومسجد إينام وردي، ومسجد عباس ميرزا، ومسجد رجَب باشا، ومسجد باشية خان، ومسجد مظفر آغا، والمسجد الأزرق في إيروان، هذا بالإضافة إلى ثمانية حمّامات عامة تقليدية بُنيت وفق الطراز الإسلامي الشرقي. كما طال التدمير الإرث الثقافي المعنوي، مثل نُصُب عاشيق أليسكَر في "آغ كلسة"، ومكتبات ومدارس وأضرحة، وتم تزييف أو طمس النقوش والزخارف الإسلامية في الأبنية المتبقية. وهذه المعالم التي كانت تمثّل روح وهوية أذربيجان الغربية، تم تدميرها بشكل ممنهج بهدف محو الذاكرة الجماعية للشعب الأذربيجاني في تلك المناطق.
وهنا لا بد لي أن أؤكد بأن الهوية الثقافية لأذربيجان الغربية ليست موضوعاً سياسياً عابراً، وذلك لأن الهوية الثقافية لشعوب العالم هي حق أصيل من حقوق الإنسان، كما تقر بذلك المواثيق الدولية والاتفاقيات الحقوقية. ومن هذا المنطلق، فإن المطالبة بـ"حق العودة" لشعب أذربيجان الغربية ليست خطابات عاطفية، بل هي مطالبة قانونية وإنسانية تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأقولها بصوت واضح: بأن الشعب الأذربيجاني بشكل عام، والشعب الأذربيجاني في أذربيجان الغربية بشكل خاص، لا يطالب سوى بحقه المشروع، وكرامته التاريخية، ومكانته الثقافية، والعودة إلى أرضه دون انتقام أو إقصاء أو تهجير.
وبصفتي سفيراً لثقافة السلام، فإن أتمنى لجمهورية أذربيجان، وإلى جاراتها من الدول والشعوب، الخير والأمن والسلام الدائم. مؤكداً على أن التاريخ لا يُمحى، ولكن السلام يمكن أن يُصنع إن توفرت الإرادة السياسية والشعبية والإنسانية لذلك، وإذا وقف العالم أيضاً مع العدالة ومع الحق وليس مع التزييف، وهذا ما يتطلع إليه وينتظره شعب أبناء أذربيجان الغربية.
وإنني من الأردن، ومن قلب العاصمة عمّان، التي تشهد على (الوفاق والاتفاق)، وعلى (رسالة عمّان) وعلى (الأمن والأمان) أدعو إلى الاعتراف بالمظلومية التاريخية التي تعرض لها شعب أذربيجان الغربية، وإلى إنصافهم عبر تمكينهم من العودة إلى أرضهم وبيوتهم وتاريخهم وحضارتهم، واسترداد إرثهم الثقافي والحضاري، الذي هو جزء لا يتجزأ من تراث الإنسانية، وليس فقط جزء من تاريخ جمهورية أذربيجان فقط.
لهذا دعونا نبني السلام ... ليس على أنقاض الحق فقط، ولكن على قواعد العدالة الإنسانية أيضاً.

مواضيع قد تهمك