الأخبار

المهندس عامر البشير يكتب : الحماية الاجتماعية الغائبة ..

المهندس عامر البشير يكتب : الحماية الاجتماعية الغائبة ..
أخبارنا :  

حين تتوارى الحكومات خلف العناوين والشعارات.

"الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية في أربع محطات تحليلية".

​في زمنٍ تتكاثرُ فيه الأزمات وتتراجع فيه أدوارُ الحكومات إلى الحدّ الأدنى، يطلُّ سؤالُ الحماية الاجتماعية لا كإجراءٍ بيروقراطي، بل كمرآةٍ تعكسُ جوهرَ العلاقة بين الدولة ومُواطنيها؛ بين المسؤولية السياسية والحقّ الإنساني، بين الكرامة المُستحقة والمُعالجات المؤقتة.

​في بلد أنهكَهُ الركود، تراجعت فيه مُعدلات النموّ الاقتصادي، وأثقل كاهِلهُ التفاوتُ الطبقيّ، تراجعت فيه مكانةُ الطبقة الوُسطى، وارتفعت فيه مُؤشرات الفقر والبطالة، لم تعُد الحماية الاجتماعية ترفًا، بل ضرورةً وُجودية لإعادةِ بناء عقدٍ اجتماعيّ جديد، يقومُ على الحقوق لا المنح، وعلى المواطنة لا التبعية، وعلى الفعل المُمنهج لا الحملات الدعائية او علاقات عامّة.

​وقد يشكّل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2025–2033، بشعاراتها الأربعة: كرامة، تمكين، فرصة، صمود، خطوة باتجاه تجسير الفجوة بين الدولة والمجتمع، لكنها، وفق قراءة أولية، لا تزال أقرب إلى تجميع متفرق للبرامج القائمة، منها إلى تأسيس مشروع متكامل أو رؤية متماسكة للحماية الاجتماعية.

أين تكمُنُ الإشكالية؟

​المشكلةُ لا تكمُن في غِياب الخطط، بل في ضعفِ الفلسفة الناظمة لهذه الخطط، وأدوات التنفيذ... نحنُ بحاجةٍ إلى مُقاربة تحوّل الحماية الاجتماعية من أدوات دعمٍ مشروطة إلى سياسةٍ وطنية شاملة تُصمّمُ من أجلِ الإنسان، لا باسمِهِ دونَ فهمٍ عميق للمتطلّبات، أراه قدّ تمّ في اطار من التسرّع بالإعلانِ قبل تناوُل كلّ أركانه، وفتح باب الحوار مع مؤسسات المجتمع المدني، بخطوةٍ لا أجدُ فيها أيّ مُبرّر للتسرّع في الاعلان عنه الذي سينقلِب ضدّه، وبينما تُشير الاستراتيجية إلى " الفئات الأكثر هشاشة "، فإنّ أدوات التنفيذ، حتى اللحظة، لا تضمنُ الشمول أو العدالة، بل تستثني شرائح لا تدخُل ضِمن "السجل الوطني".

يبقى السؤالُ مشروعًا: ماذا عن المُواطن الذي يفقِد عملَه فجأة؟ أو المرأةُ المُعيلة التي تقع خارجَ أنظمة الضمان الاجتماعي؟.

إنّ ما تقترحه الاستراتيجية – بحسب ما هو منشور – لا يتعدّى كونه اعلان نوايا، لا يرقى لمفهوم الاستراتيجية، او دعمًا محدُودَ الأثر، في حِين أنّ المطلوب هو إعادةُ صياغة مفهوم الحماية الاجتماعية بوصفِها التزامًا يستندُ للحقوق، ومشروعًا تنمويًا متكاملًا.

​فالحمايةُ – في جوهرِها - ليست برامج دعمٍ فنيّ، بل فلسفة تقُود الرؤية، ومنظومة تدمج العدالة الاجتماعية بالتنمية، والاستقرار بالتمكين.

​وعليه، تأتي هذه السلسلةُ في أربعِ محطاتٍ تحليلية؛ تبدأ في بدايةِ الاسبوع القادم، وتنتهي بعدَ اجازة عيد الأضحى... سأقوم بنشرِها عبر صحيفة عمون؛ تهدِفُ إلى إثراء النقاش العام، انطِلاقًا من مسؤوليّةٍ وطنيّةٍ وفكريّة، لا من موقِع الخُصومة أو التهجّم، وعلى النحوِ الآتي:

الحلقة الأولى: "لغةٌ بلا مضمون... قراءةٌ في خطاب الوزيرة"
​نتوقّفُ عند الخطابِ الإعلامي الرسمي، ومُقابلة معالي الوزيرة مع الاعلامي عامر الرجوب في برنامج صوت المملكة، لنقرأَ في الخلفيات والمرتكزات، ولن أتوقّف عند ما ورد فيها من مُغالطات ودون أحكام مُسبقة، ونسأل: هل ما عُرض يتضمّنُ تعريفًا دقيقًا لمفهوم الحماية؟ وهل يعكسُ تحوّلًا نوعيًا؟ أم أنه يكتفِي بإعادةِ تقديم ما هو قائمٌ ضِمن صيغٍ جديدة؟.

الحلقة الثانية: "الخطوةُ التي لم تكتمل... تقييمُ تجربة 2019–2025"
كان من المفترض العودة إلى الاستراتيجية السابقة، لا من بابِ النقد لذاته، وإنما تقييم الأثر قبل الدخول في أيّ جُملة التزامات جديدة، دون معرفة ما الذي تحقّق فعليًا؟ ما الذي أعاقَ التنفيذ؟ وهل شكّلت تلك التجربة نواةً إصلاحيّة، أم أنها بقيت حبيسةَ الأدراج، وفي إطار الوثائق؟.

الحلقة الثالثة: "النسخةُ الجديدة... بين التكرار والتجميل"
​نُقارن الاستراتيجية الجديدة بسابقتها، من حيث المفهوم، الأدوات، الاهداف... ونسأل: هل جرى تجاوزُ اختلالاتِ المرحلة السابقة؟ أم أُعيد إنتاجُها بمُفرداتٍ مُختلفة؟.

الحلقة الرابعة: "مرايا الجِوار... دروس من مصر، المغرب، تونس، ولبنان"
​نُقارب التجارب الإقليمية القريبة زمنيًا واجتماعيًا، لا من باب المُقارنة الصارمة، سيّما أنه تمّ الاشتراك بنفس الصّيغ والعناوين دُون الأدوات؛ بهدف إستخلاصِ الدروس... فما الذي نجحَ في تلك النماذج؟، وما الذي تعثّر؟، وكيف يُمكن أن تستفيدَ التجربة الأردنية من تِلك العِبر دون أن تفقِدَ خُصوصيتها؟

خاتمة:
​هذه السلسلةُ لا تعنى التصعيدَ ولا تُمارس الإدانة، بل تسعى لفتحِ حوارٍ مسؤول حول معنى الحِماية وجدواها، فالشعورُ بالأمان الاجتماعي لا يُقاس فقط بعددِ المُستفيدين، بل بمقدار شعورِ المواطن أنّ الدولةَ تقِف إلى جانبه، لا تتركُه يتآكَلُ في عُزلةِ هشاشتِه.

​نأملُ أن تكونَ هذه الحلقات صوتًا يُعيد الاعتبار لفِكرة أنَّ الحمايةَ الاجتماعية ليست مُجرّدَ ملفٍ بيروقراطي، بل أحد أركان الكرامةِ الوطنية.

للحديث بقيّة..

مواضيع قد تهمك