الأخبار

الدكتور منذر الحوارات يكتب : الطعنة في الخاصرة الأردنية والنزف في غزة

الدكتور منذر الحوارات يكتب : الطعنة في الخاصرة الأردنية والنزف في غزة
أخبارنا :  

يمتلك الأردن خبرة مرموقة في تقديم المساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات الإغاثية، استثمرت هذه الخبرة في العدوان الأخير على غزة بشكل ساهم في تخفيف معاناة الغزيين، بعد أن فرضت عليهم دولة الاحتلال حصاراً يُعتبر الأقسى في التاريخ المعاصر، وبفضل هذه الخبرة، تمكن الأردن من تنسيق ونقل المساعدات الإنسانية بعدة طرق، أبرزها الإنزالات الجوية التي افتتحها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بنفسه، في رسالة تحد واضحة لنتنياهو، فضلاً عن إرسال قوافل المساعدات البرية وتشغيل المستشفيات الميدانية، وقد مكّنه من ذلك الكفاءة اللوجستية والعسكرية التي تتمتع بها القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي، لا يرى البعض في المساعدات الإنسانية أي قيمة، لأنه حسب وجهة نظرهم يعتبرون أنه من واجب المواطنين الغزيين التضحية بأموالهم وأنفسهم وأولادهم، وبالتالي تصبح المساعدات بلا معنى، بينما يرى البعض الآخر أن المساعدة الحقيقية لا تكون إلا بالصواريخ أو أدوات الحرب، وهؤلاء وهم الأكثرية يسقطون من حسابهم طبيعة الصراع وتوازناته، ومصالح الدول واجنداتها، كما ينسون أن بقاء الفلسطينيين على أرضهم هو أهم مشروع وطني فلسطيني، والذي بسببه تفرض إسرائيل كل هذا الحصار والإبادة الجماعية، والأردن، يرى المسألة من هذه الزاوية: تثبيت الفلسطينيين على أرضهم أهم إستراتيجياته.


أعود لمناسبة الحديث، وهي نشر موقع Middle East Eye، والذي يُدار من لندن وله توجهات مؤيدة لتيار سياسي معين (من خلال تتبع مالك الموقع وطبيعة انتمائه) تقريراً اتهم فيه الأردن بفرض رسوم على الإنزالات الإغاثية، في محاولة واضحة لتشويه وتهشيم الجهد الأردني خلال العدوان على غزة، لقد حاول هذا الموقع ان يروج لمقولة واهية فحواها أن الأردن لم يفعل ذلك حباً وكرامة بالغزيين، بل لمصالح مادية بحتة، ويلتقي هذا الخبر بأهدافه مع ما تريده إسرائيل، لأنه يصب في إستراتيجيتها الهادفة لتحطيم المعسكر المؤيد للفلسطينيين وعلى رأسه وفي مقدمته الأردن، كي يتسنى لها قطع حبل الإغاثة عن أهل غزة، وهذا يخدم هدفها النهائي وهو تهجير الغزيين.

والسؤال ماذا لو نجحت هذه الحملة في تشويه الدور الأردني ؟ (رغم نفي جميع الأطراف التي تعاون معها الأردن ما قيل في الموقع، وتأكيدها نزاهة وأخلاقية الدور الأردني)؟ من هو المستفيد من ذلك؟ بالتأكيد إن أي طرف لن يستفيد باستثناء إسرائيل، وسيكون سكان غزة هم الخاسر الأكبر، لسبب رئيسي هو أن الأردن يقوم بجهد كبير في تقديم العون للغزيين ويساهم بنقل المساعدات من الأردن والدول الشقيقة والصديقة، ومحاولة إفقاد الثقة بالطرف الأردني سيؤدي إلى نتائج كارثية على أهل غزة، وهذا سيكون هدية ثمينة لإسرائيل، التي تسعى لحصر وصول المساعدات في منطقة رفح فقط، إذ تريد تجميع الغزيين هناك في إطار خطة (عربات جدعون ).

إذًا، طالما أن هذا لا يخدم سوى إسرائيل، ولا يضر سوى الفلسطينيين، ولن يفيد أي جهة اياً تكن، ولن يثني الأردن عن القيام بدوره الأخلاقي والأخوي، بالتالي فإن فتح جبهة مع الأردن بهذه الطريقة محكوم عليه بالفشل، فقد فشل هذا الأسلوب مع دول عربية عديدة ولم يؤد إلى نتائج ذات قيمة، بل وأثبت ان الناس على دين ملوكها وان الدول العربية أصبح لديها من الوسائل ما يمكنها من تجاوز هكذا حملات، وأن النظام العربي الرسمي يملك من الضراوة والقوة ما يمكّنه من الصمود في وجه أي حملة، بالتالي، فإن طعن الأردن في خاصرته الأخلاقية، وهي دعم فلسطين، لن يُفتّ من عضده إلا فيما يتعلق بغزة والقضية الفلسطينية، ولهذا، فإن من سينزف فعلاً في حال نجاح هذه الحملة هم الأشقاء في غزة وعموم فلسطين، وسيبقى المستفيد الأول والأخير هو الاحتلال، لأن إضعاف أي جهد إنساني لصالح غزة ما هو إلا انتصار لإسرائيل.

وأياً يكن الفاعل فإن هذا الأسلوب لن يؤثر في الدولة الأردنية لأنها قوية وراسخة، علاقاتها الداخلية والإقليمية والدولية متجذرة، واستنادا إلى ما سبق فإن القناعة راسخة بأن رد الأردن لن يكون بطريقة إعلامية وان اتجه إلى المنحى القانوني، لكن الرد عبر إرسال المزيد من المساعدات الإنسانية من طبية وغذائية، وسيرفع من وتيرة دعمه للقضية الفلسطينية، ولن تثنيه كل تلك الحملات عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، لأن ذلك يمثل التزاماً اخلاقياً وتاريخيا وسياسياً لدى الشعب والقيادة الأردنية، وكل ذلك نابع من قناعة راسخة، وليس من حسابات ضيقة أو وقتية.

الغد

مواضيع قد تهمك