د. مهند النسور : أهمية الطب البيطري في الصحة والاقتصاد

في خضم التحديات الصحية والبيئية والغذائية التي تواجه عالمنا اليوم، يبرز دور الطبيب البيطري بوصفه أحد أهم ركائز منظومة «الصحة الواحدة»، وهي المنظومة التي تربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة في تكامل لا يمكن تجاهله.
ومع إحياء يوم البيطري العالمي، الذي يُصادف السبت الأخير من شهر نيسان كل عام، تتجدد الدعوة إلى تقدير هذا الدور الجوهري وتسليط الضوء على مهنة لا تزال تعمل في الظل رغم عمق تأثيرها في حياة البشر. فالطبيب البيطري ليس فقط من يُعالج الحيوانات، بل هو من يحمي الإنسان من أمراض قد تنتقل إليه دون أن يشعر، ومن يساهم في ضمان سلامة الغذاء الذي يتناوله، والبيئة التي يعيش فيها.
إن ما يقارب 60% من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان مصدرها الحيوان، كما أن نحو 75% من الأمراض المستجدة في العقود الأخيرة مثل الإيبولا والسارس وكوفيد-19، كان منشأها حيوانياً. هذه الأرقام كافية لتوضيح حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب البيطري في الوقاية والتصدي للأوبئة قبل أن تتفشى وتتحول إلى كوارث صحية.
ولا يقتصر أثر الطبيب البيطري على الجانب الصحي فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد والأمن الغذائي، إذ تُقدّر الخسائر العالمية الناتجة عن الأمراض الحيوانية المنشأ بما يفوق 80 مليار دولار سنويًا، وهي خسائر يمكن تقليصها بشكل ملموس إذا ما تم الاستثمار في البنية البيطرية وتأهيل كوادرها.
كما أن لهذا الطبيب دورًا بيئيًا بالغ الأهمية، فالتربية غير المنظمة للحيوانات تسهم بنسبة تتجاوز 14% من الانبعاثات الكربونية العالمية، ويستطيع الطبيب البيطري أن يلعب دورًا محوريًا في تقنين هذه الممارسات وتعزيز أساليب الإنتاج الحيواني المستدام.
كذلك، يُعد الاستخدام المفرط وغير المنضبط للمضادات الحيوية للحيوانات من أهم مسببات ظاهرة مقاومة المضادات البكتيرية، وهي ظاهرة يُتوقع أن تودي بحياة أكثر من عشرة ملايين شخص سنويًا بحلول عام 2050، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
وهنا تتضح مرة أخرى أهمية وجود الطبيب البيطري كخط دفاع علمي ورقابي وتوعوي في مواجهة هذا الخطر العالمي. ورغم هذا الدور المتعدد الأبعاد، لا يزال الطبيب البيطري يعاني من نقص في الاعتراف والدعم في كثير من بلداننا العربية، حيث تقلّ الإمكانيات وتتراجع فرص التدريب والتطوير، ولا يُشرك الأطباء البيطريون في التخطيط الصحي إلا في حالات نادرة.
إن تعزيز هذا القطاع الحيوي يبدأ بإرادة سياسية حقيقية، واستثمار مؤسسي في التعليم والبحث والموارد، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية هذه المهنة. وفي هذه المناسبة، وكذلك بمناسبة انتخاب مجلس نقابتهم في نهاية الإسبوع الماضي أتوجه بتحية احترام وتقدير لكل طبيب بيطري يعمل بصمت في الميدان أو في المختبر، ولكل من يحمل عبء المسؤولية دون انتظار شكر أو مكافأة.
إن دعم الطبيب البيطري ليس خيارًا، بل ضرورة تمليها تحديات الواقع ومقتضيات المستقبل، وبدونه لا تكتمل منظومة الصحة العامة ولا يتحقق هدف الصحة الواحدة الذي نسعى إليه جميعًا.