الأخبار

لما جمال العبسه : تحولات المشهد السياسي وإعادة ترتيب طاولة التفاوض

لما جمال العبسه : تحولات المشهد السياسي وإعادة ترتيب طاولة التفاوض
أخبارنا :  

في ظل التصعيد العسكري المستمر في قطاع غزة، يتبلور تحول سياسي غير مسبوق، حيث فرضت حركة المقاومة الإسلامية حماس نفسها كطرف رئيسي في المفاوضات مع الولايات المتحدة دون المرور عبر إسرائيل، وهو ما أدى إلى الاتفاق الأخير الذي أفضى إلى إطلاق سراح الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر. هذا الاختراق السياسي يمثل نقطة تحول جوهرية في مسار العلاقات الدولية، خاصة أنه يأتي في وقت يتسبب فيه السلوك الصهيوني في غزة في إحراج استراتيجي لواشنطن، مما يهدد مصالحها الإقليمية ويضعها أمام ضرورة إعادة تقييم موقفها من الحرب المستمرة.

ومع استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لزيارة المنطقة، يبدو أن واشنطن تسعى لتصحيح المشهد السياسي، من خلال إعادة ضبط مسارات الحلول بما يحفظ نفوذها الإقليمي، ويستجيب لمطالب القوى العربية التي باتت ترى أن إنهاء الحرب هو المفتاح الوحيد لاستعادة الاستقرار.

منذ بداية العدوان، كان الكيان الصهيوني الطرف الوحيد المخوَّل بالتفاوض حول غزة، إلا أن دخول أمريكا في محادثات مباشرة مع حماس يسلط الضوء على تغير قواعد اللعبة السياسية، حيث باتت الحركة طرفا لا يمكن تجاهله. هذا التحول يجبر تل أبيب على إعادة النظر في استراتيجيات التعامل معها، إما عبر التهدئة أو البحث عن حلول سياسية طويلة الأمد.

إدارة ترامب، ومن قبلها الإدارات الأمريكية المختلفة، كانت تتعامل مع إسرائيل كحليف استراتيجي لا غنى عنه، لكن مع تصاعد الغضب الدولي من الحرب الوحشية في غزة، أصبح الدعم غير المشروط عبئا دبلوماسيا على واشنطن. هذا الضغط يتزامن مع رغبة ترامب في إعادة التموضع السياسي قبل زيارته للمنطقة، مما يتطلب تخفيف التوترات وإظهار نهج أكثر واقعية تجاه الصراع العربي الاسرائيلي.

دول الخليج العربي، مصر، والأردن ترى أن استمرار الحرب في غزة هو العائق الأكبر أمام استقرار المنطقة، وأن التصعيد العسكري الصهيوني لا يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى، هذه الدول دفعت باتجاه وقف القتال بشكل كامل، مما جعل التحركات الأمريكية الأخيرة محاولة لاستيعاب هذا المطلب العربي، خاصة مع إدراك واشنطن أن الدور الإقليمي لدول المنطقة بات أكثر تأثيرًا في رسم السياسات المستقبلية.

منذ اندلاع الحرب، وضعت إسرائيل لنفسها أهدافًا طموحة، أهمها القضاء الكامل على حماس، لكن الواقع يظهر أن هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق. الحركة ما زالت قادرة على الصمود، وما زالت حاضنتها الشعبية قوية، بل وانتقلت إلى موقع تفاوضي جديد يضعف قدرة إسرائيل على فرض شروطها. ومع تراجع القدرة العسكرية الإسرائيلية على تحقيق انتصار حاسم، يصبح واضحا أن إنهاء النزاع لن يكون عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال حل سياسي أكثر واقعية.

في هذا المشهد، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاشي بنيامين نتنياهو معضلة سياسية معقدة، إذ يجد نفسه بين ضغوط واشنطن التي تطالبه بإعادة تقييم استراتيجياته العسكرية، وتصعيد داخلي من حلفائه اليمينيين المتطرفين الذين يرون أن أي نوع من التفاوض أو التهدئة يمثل تراجعا غير مقبول عن الموقف الإسرائيلي التقليدي. هذا التضارب يجعل خيارات نتنياهو شديدة المحدودية، مما يسهم في عزلته السياسية ويضعف قدرته على المناورة.

التطورات الأخيرة تكشف عن إعادة رسم المشهد السياسي، حيث لم يعد تجاهل حماس خيارا واقعيا، كما أن التصورات التقليدية حول قدرة إسرائيل على فرض شروطها أحادية الجانب باتت محل شك. مع هذا التحول، يبقى السؤال الأهم: هل يمهد هذا الاتفاق الطريق لحلول أكثر شمولا، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية في لعبة التوازنات الإقليمية؟

مواضيع قد تهمك