الأخبار

كامل النصيرات : غواية الحصرم

كامل النصيرات : غواية الحصرم
أخبارنا :  

كلّما رأيتُ دالية عنب أشعر بالغصّة ..فهي ترجعني إلى طفولة مبكِّرة ..إلى مخيّم البقعة ..إلى دارنا التي كانت هناك ..غرفتان واحدة زينكو و أخرى (طوب لف) مع سقف (زينكو) أيضًا..و برندا ..عليها عريشة بناها أبي ..تلك العريشة تسلّقت عليها أغصان الدالية و غطتها كلّها بورقها الأخضر ..!
كنّا لا ننتظر الحصرم حتى يصبح عنبًا ..نمدّ أيادينا إليه و (نسرق منه) خصلةً صغيرة هنا أو (حبتين على الماشي ) هناك ..وعندما أقول نسرق من داليتنا ؛ فلأن صراخ أبي وأمّي دائما لنا بالمرصاد : ولكو استنوا عليها شويّة ..أكلتوها قبل أوانها ..يقطع يهودكو ..! هذا غير التهديد بالضرب أو أن (شبشبًا) يستقر على يدك وأنت تتناول حبتين من الحصرم ..!
ما زال طعم حصرم داليتنا في فمي للآن ... أكتب لكم وأبلع ريقي ؛ و أرجّ برأسي و أغمض عينيّ من الحموضة ..وها أنا أتسلّق سطح الدار و أستقر فوق الدالية من فوق وأسرق ما شئت لكي لا يراني من هم تحت ..!
أيها الطفل انزلْ..دعْ عنك غواية الحصرم..دعك من نبش السنوات التي كنتَ فيها تحرس الدالية من إخوتك وكنت أنت السارقَ لها ..كنتَ أنت الحامي و الحرامي ..!
أمّا الجلوس تحتها ؛ و النوم تحتها ..وتأمّل فوقها وأنت تحتها ..فهذا ما لا تسعفني فيه قواميسي و خيالاتي ..فهناك أيضًا كتبتُ مئات القصائد ..وهناك دخل في عيني (وغبٌ) من أوراقها و فركتُ عيوني عشرات المرات ..وهناك بدأتُ أتعرف على مزايا وخصائص جيناتي جينًا جينًا ..!!
اليوم ..لا يتكرر المشهد ..بل يختفي تمامًا ؛ وأنا في عمارة الاسمنت ..و أولادي لم يشتبكوا مع أية دالية ..لم يسرقوا حصرمها ..لم يتشعبطوا أسطح الدار لأن الدار بلا سطح فكل الشقق في العمارات لها سطح واحد ..لا يوجد عريشة ..وحين أحدّثهم عن طعم الحصرم أبلع ريقي و يرتجّ رأسي وأغمض عيوني و هم يضحكون فقط و يعتقدون بأنني أمارس الهبل لأضحكهم ..!!

مواضيع قد تهمك