نيفين عبدالهادي تكتب: غزة.. نسوا واعتادوا

من قال إننا لن ننسى، ولن نعتاد مشاهد غزة، كان واهما، فها هو العالم اعتاد، ونسي وينسى ما تشهده غزة منذ أكثر من عام من حرب إبادة، وكل أشكال جرائم الحرب، المعروف منها وغير المعروف بتاريخ البشرية، فهي المجازر مستمرة في غزة، وبكل مكان، دون توقف ودون مراعاة لأي شكل من أشكال الإنسانية، ولو بحدها الأدنى، تمضي إسرائيل بحرب ليست فقط الأقسى بتاريخ البشرية إنما الأخطر والأعنف، والعالم يرقب من بعيد دون أن يأخذ أي خطوة نُصرة للأهل في غزة، وسعي عملي وحقيقي لوقف الحرب على شعب يباد يوميا، على مرأى من المجتمع الدولي ومرأى من مؤسسات حماية حقوق الإنسانية والبشرية.
إبادة، بل أكثر، خطر، بل أكثر، جرائم، بل أكثر، يوميا على قطاع غزة، وعجلة الحياة تدور بشكل طبيعي جدا في كافة دول العالم، دون أخذ أي موقف يجبر إسرائيل على وقف الحرب وعلى إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وحماية مراكز الإيواء وأطفال ونساء وأهل غزة، ربما هو سبات متعمّد، لكن حتى للسبات ساعات ومدة انتهاء وتوقف، لكنه لسبات العالم صفة الأبدية على ما يبدو.
لما يحدث في غزة وفي قراءة حقيقية، له الكثير من الأبعاد، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، لكن ما يجب الأخذ به الآن وبناء على ما يحدث من إبادة جماعية في غزة يجب النظر لغزة من منظور واحد فقط، المنظور الإنساني، فاليوم لا أولوية يجب الأخذ بها سوى هذا الجانب، يجب وقف الحرب إنسانيا، وغيرها من التفاصيل يُمكن بحثها والجدل بشأنها ومواجهتها بعد وقف شلالات الدم التي تشهدها غزة، وإنقاذ ما بقي من سكان هذه البقعة من الأرض، ما بقي منها، على العالم أن يرى ذلك بوضوح، ولا ينظر للحقائق بعين واحدة، ما بقي من غزة، فلم يبق منها الكثير، بل أقل القليل.
في ساعات الصباح أمس وصل الى مستشفيات قطاع غزة 38 شهيدا و145 مصابا، خلال ساعات من يوم أمس جراء استمرار المجازر الإسرائيلية على قطاع غزة، في حين ما يزال هناك أعداد من الضحايا ما يزالون تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم، لترتفع بذلك حصيلة العدوان الاسرائيلي منذ بدء العدوان على القطاع في 7 تشرين الأول 2023 الى 52653 شهيدا و118897مصابا، واقع تعصف به المصائب، وما هو مثير للوجع قبل الاستغراب صمت المجتمع الدولي، وترك ميدان الدفاع عن غزة والسعي لإنقاذ ما بقي منها للأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وعدد من الدول العربية الشقيقة، دون ذلك فإن صراخ غزة غير مسموع وإن سمع فهو مجرد أنين لهذا العالم الذي ما يزال يتعامل مع حقائق غزة بعين واحدة، لتبدو الحقائق منقوصة ومبتورة!!!!
بحرص هام ومستمر لم يتوقف من جلالة الملك عبد الله الثاني، وضع جلالته الشأن الفلسطيني والحرب على غزة أولوية خلال زيارة جلالته للولايات المتحدة الأميركية، بتأكيد من جلالته على «ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري، واستئناف دخول المساعدات»، ويمضي جلالته بجهد جبّار لوقف الحرب على غزة، دون توقف أو نسيان وتناسي لما يشهده أهلنا في قطاع غزة، ما يجعل من الانصات للصوت الأردني ضرورة ملحّة لوقف نزيف الدم في غزة.
ما يحدث في غزة، يوازي واقعه الخطير، صمت العالم أكثر خطورة ، فلم يعد منطقيا ترك غزة تواجه حربا لم تشهد في خطورتها البشرية، ففي صمت اليوم وجع يكبر وآلام تتسع مساحاتها، وأرواح تودّع حياة مغادرين وهم أشلاء، ليسوا أجسادا متكاملة، صمت اليوم يشكل مزيدا من الأضواء الخضراء لإسرائيل لتمضي بحربها دون توقف، ودون إنسانية، يجب لهذا الليل الصامت أن ينجلي. ــ الدستور