د . عثمان الطاهات : سوريا بين مشروعين

يُمثّل المشهد السوري الراهن لوحة معقدة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتتباين فيها الرؤى والتوجهات بشكل حاد، خاصة بين لاعبين رئيسيين على الساحة الإقليمية كإسرائيل وتركيا بينما تسعى إسرائيل نحو تقسيم سوريا كسبيل لتحقيق مصالحها الأمنية والاستراتيجية، تتمسك تركيا بوحدة الأراضي السورية، مدفوعةً بمخاوفها الأمنية الخاصة وتحدياتها الداخلية وهذا التباين في المواقف يخلق حالة من التناقض والصدام المستمر، ويُلقي بظلاله على مستقبل سوريا وشعبها.
تتجه الرؤية الإسرائيلية نحو سوريا نحو تفتيت البلاد إلى كيانات أصغر، تقوم على أسس عرقية وطائفية ويبدو أن الهدف الأساسي من هذا التوجه هو إضعاف الدولة المركزية السورية، التي تُعتبر تاريخياً دولة قوية وعلى خلاف دائم مع اسرائيل .
تتحدث بعض التحليلات عن رغبة إسرائيل في رؤية سوريا مقسمة إلى أربع دول رئيسية: دولة درزية في الجنوب، بالقرب من حدودها، ودولة علوية في الساحل ودولة كردية في الشرق ودولة سنية في الوسط، تُركز فيها غالبية السكان وتُعاني من آثار الصراع بشكل كبير وترى إسرائيل في هذا التقسيم وسيلة لإنهاء التهديد الذي تُشكله سوريا الموحدة وتغيير ميزان القوى الإقليمي لصالحها.
على الجانب الآخر، تقف تركيا موقفاً مناقضاً تماماً، وتُصر على وحدة الأراضي السورية لا ينبع هذا الموقف من مجرد مبدأ سيادي أو إنساني، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمنها القومي ومخاوفها الداخلية التهديد الأكبر الذي يُواجه تركيا في هذا السياق هو طموحات الأكراد في إقامة دولة مستقلة على حدودها الجنوبية وتُدرك أنقرة أن قيام دولة كردية في شمال شرق سوريا سيُشكل حافزاً قوياً للأكراد داخل تركيا للسعي نحو الانفصال، وهو ما تعتبره تهديداً وجودياً لوحدتها الوطنية.
لذلك، ترى تركيا في وحدة سوريا وسيلة لضمان عدم حصول الأكراد السوريين على الحكم الذاتي أو الاستقلال الذي قد يُلهم نظراءهم في تركيا وتُركز تركيا جهودها على محاربة الجماعات الكردية المسلحة في شمال سوريا، وتُقيم مناطق نفوذ في مناطق قريبة من حدودها لمنع أي تطورات قد تُفضي إلى قيام كيان كردي مستقل.
هذا التباين الجذري في المواقف بين إسرائيل وتركيا يُشكل عنصراً أساسياً في تعقيد الأزمة السورية بينما تسعى إسرائيل إلى إضعاف سوريا وتفكيكها، تعمل تركيا على الحفاظ على وحدة أراضيها، وإن كان ذلك لأسباب تتعلق بأمنها الخاص هذا التناقض يُغذي الصراع ويُعيق أي حلول سياسية شاملة تُرضي جميع الأطراف كما أنه يُعرّض الشعب السوري الشقيق لمزيد من المعاناة، حيث يجد نفسه رهينة لصراعات إقليمية ودولية لا دخل له فيها.
في ظل هذا المشهد المعقد، تتصادم أجندات مختلفة، وتُستخدم الأزمة الإنسانية كأداة في صراع على النفوذ والسيطرة وإن مستقبل سوريا ووحدة أراضيها مرهون بشكل كبير بكيفية إدارة هذا التناقض بين رغبة إسرائيل في التقسيم وإصرار تركيا على الوحدة، وهو صراع يبدو أنه سيظل يُشكل تحدياً كبيراً في المستقبل للدولة السورية الشقيقة .