الأخبار

حسام عايش : جائحة الركود التضخمي الجديد

حسام عايش : جائحة الركود التضخمي الجديد
أخبارنا :  

تُعد السياسات الحمائية الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب؛ نقطة تحول دراماتيكية في النظام التجاري والاقتصادي العالمي، ليعود على وقعها وبقوة ظهور مصطلح الركود التضخمي، كواقع مقلق يُهدد استقرار الاقتصادات العالمية، ويعيد خلط اوراق السياسات النقدية والمالية، لان هذا الركود يجمع بين تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم في آن واحد، ما يضع صناع القرار أمام خيارات معقدة.
ففرض الرسوم الجمركية تحت شعار امريكا أولا، أدى وسيؤدي الى تعطيل سلاسل الامداد العالمية، ورفع تكاليف الإنتاج والتوزيع، وارتفاع الاسعار، دون ان يواكب ذلك تحسّن في الطلب، او الإنتاج، الى جانب إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي بطريقة قسرية، والتجاهل المتعمد لمبادئ السوق الحرة الاميركية المنشأ.
ستنتج هذه الهيكلة، موجة تضخمية تقترن بركود تتزايد احتمالات حدوثه، اي ان العالم وبدلا من تعزيز التنافسية بين اقتصاداته لامتصاص الصدمات الاقتصادية؛ افقد اسواقه عمدا جزءاً من قدرتها على التعامل مع تلك الصدمات، ليبدأ في اختبار أولي لحقبة جديدة من جائحة التباطؤ التضخمي.
والامر لا يتوقف عند حدود التجارة الدولية، بل بانتقال الولايات المتحدة من دولة ضامنة للاستقرار الاقتصادي العالمي -يمثل ناتجها المحلي الاجمالي البالغ نحو 29 تريليون دولار اي حوالي ربع الاقتصاد العالمي- إلى مركز اضطراب دولي: خارجي، باقتران تهديداتها الجمركية بوقف المساعدات والمعونات، وبتهديدات سياسية مثل ضم كندا، وعسكرية مثل اجتياح غرينادا. وداخلي، بما تشهده من تفكيك للحكومة الفدرالية -تذكرنا بسياسات الزعيم السوفيتي غورباتشوف في ثمانينيات القرن الماضي ضمن ما عرف بالبيروسترويكا والتي ادت الى انهيار الاتحاد السوفييتي- وضغوط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتغيير سياساته النقدية بما يتماشى مع رغبات الرئيس ترامب.
وقد بلغ الأمر أن لوّح ترامب بعزل رئيس الاحتياطي، جيروم باول- في سابقة خطيرة تهدد استقلالية السياسة النقدية، وتنقل الاقتصاد الاميركي من اقتصاد حر الى اقتصاد مسير- وهي ضغوط وفي حال استُكملت فإنها ستضع قدرة الفدرالي على كبح جماح التضخم على المحك، خاصة مع تفضيل ترامب لسياسات إنفاق توسعية، ودولار ضعيف، وهي وصفة كلاسيكية لتكرار الركود التضخمي الذي ضرب الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي.
لكن لماذا يعد الركود التضخمي خطرا استثنائيا؟ لانه لا يشبه الازمات الاقتصادية المعتادة. ففي ازمات الركود التقليدية، يكون صناع القرار امام خيار خفض الفائدة وتحفيز الإنفاق. اما في الركود التضخمي، فإن خفض الفائدة يؤدي إلى زيادة التضخم، ورفع الفائدة يؤدي إلى تفاقم الركود والبطالة وهنا يكمن المأزق.
هذا المأزق الذي يجعل من الركود التضخمي «المعضلة الكبرى» ، دون حلول سريعة او متفق عليها. وبينما تقترح النظرية الكينزية استخدام التحفيز المالي المشروط لتخفيف البطالة، ترى مدارس اخرى ان تقشف الإنفاق، وتثبيت الاسعار هو الحل، وإنْ على حساب النمو.
بالنسبة لدولة مثل الأردن، فإن الركود التضخمي العالمي لا يُشكل فقط تهديدا اقتصاديا خارجيا، بل تهديد اقتصادي داخلي بسبب الاعتماد الكبير على الواردات خصوصا الغذاء والطاقة. والمديونية المرتفعة التي تحدّ من قدرة الحكومة على الإنفاق التحفيزي. والبطالة المرتفعة خصوصا بين الشباب، مصحوبة بتدني معدلات المشاركة الاقتصادية. ناهيك عن تداعيات حالة عدم اليقين الاقتصادي المصاحبة للركود التضخمي التي تؤثر على سلوك الاسر والافراد الاستهلاكي، وخططهم الادخارية، وقراراتهم الحياتية.
هل من أمل في مواجهة ركود تضخمي محتمل ؟نعم، لكن بشروط منها وضوح في السياسات المالية والنقدية، تقديم دعم مباشر للفئات المتضررة، تشجيع ودعم الإنتاج المحلي، خفض المستوردات، تنويع الشراكات التجارية مع دول تشبهنا، تعزيز الاستثمار عبر إصلاح حقيقي لبيئة الأعمال.
الأزمات الاقتصادية الكبيرة تصنعها الصدمات، لكن النجاة منها والتكيف معها تصنعها القرارات الاستراتيجية الذكية، المعدة بعناية.

مواضيع قد تهمك