د. خالد الشقران يكتب : الصحافة الأردنية: درع الحق في مواجهة آلة التضليل الإسرائيلية

في عالم تتصارع فيه الروايات، تُعتبر حرية الصحافة سلاحاً لا يُستهان به في كشف الحقائق وحماية العدالة، ففي الثالث من مايو/أيار من كل عام، يحتفل العالم بـ «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1993، هذا اليوم ليس مجرد مناسبة رمزية، بل فرصة لتذكير حكومات العالم بواجبها في حماية حرية الصحافة والإعلام، وتكريم الصحفيين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الحقيقة.
وفي خضم التحديات العالمية، يبرز دور الصحافة الأردنية كحارس للرواية الفلسطينية في مواجهة آلة التضليل الإسرائيلية التي تسعى لتغيير الحقائق على الارض وانكار حقوق الشعب الفلسطيني وطمس جرائم الاحتلال التي تمارس تاريخيا ضده في مختلف الاراضي الفلسطينية المحتلة.
فبعصر الثورة الرقمية، أصبحت المعلومات المضللة أداة خطيرة في تشويه الوعي الجماعي، خاصة في مناطق النزاع مثل فلسطين. فمذ بدايات اغتصابه للاراضي الفلسطينية استخدم الاحتلال الاسرائيلي التضليل الإعلامي كسلاح فعال يمحو الحقائق، حيث اعتمدت إسرائيل ومنذ عقود على آلة إعلامية مُمنهجة لتبرير انتهاكاتها، من مصادرة الأراضي إلى القمع اليومي، عبر تصوير جرائم الاحتلال كـ «دفاع عن النفس»، وتحويل الضحية إلى جلاد، وتزداد خطورة هذه الحملات في أوقات الأزمات، كما حدث خلال العدوان الأخير على غزة 2023، حيث روّجت الرواية الإسرائيلية لأكاذيب مثل «وجود مقرات لفصائل المقاومة تحت المستشفيات وفي مواقع الامم المتحدة المخصصة لاغاثة الفلسطينيين وغير ذلك من الروايات الزائفة»، بينما كشفت الصحافة الحرة استخدام هذه الادعاءات لتبرير قصف المدنيين.
في هذا المشهد المعقد، شكلت الصحافة الأردنية جسرا لنقل الحقيقة ووقفت في الصف الأمامي الى جانب القيادة الهاشمية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ونقل الرواية والسردية الفلسطينية في مواجهة محاولات التزوير التي مارسها الاحتلال، فالأردن، بموقعه الجيوسياسي وتاريخه النضالي، يدرك أن معركة الوعي جزء من معركة التحرير. وبتوجيهات ملكية تؤكد دعم القضية الفلسطينية، تحوّلت المنابر الصحفية والاعلامية الاردنية إلى منصات دولية تنقل معاناة الفلسطينيين بلغة عالمية، مستخدمة التحقق من الحقائق (Fact-Checking) لتفنيد الادعاءات الإسرائيلية، ومتعاونة مع منظمات دولية مختلفة لإيصال الصوت الفلسطيني للعالم.
وفي عام 2021، خلال ازمة حي الشيخ جراح، نجحت وسائل إلاعلام الاردنية في كشف محاولات الاحتلال لتصوير عمليات التهجير الممنهجة كـ «نزاع عقاري»، عبر نشر وثائق ملكية فلسطينية تعود لعقود، كما لعب الصحفيون الأردنيون دوراً محورياً في تغطية مجزرة مستشفى المعمداني عام 2023، حيث نقلوا شهادات الأطباء والضحايا مباشرةً، متحدين الحجب الإلكتروني الذي فرضته إسرائيل على المناطق المحتلة.
لكن هذا الدور لا يخلو من تحديات، فالصحفيون الأردنيون يتعرضون لضغوط متزايدة، عبر هجمات إلكترونية من حسابات موالية للاحتلال، ورغم ذلك، يُظهر الإعلام الأردني مرونة لافتة، مثل اعتماده على الصحافة الاستقصائية وتوظيف التقنيات الرقمية، كالخرائط التفاعلية التي توثق توسع المستوطنات، أو مقاطع الفيديو المباشرة من الضفة الغربية المحتلة.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تُثبت الصحافة الاردنية التي اسهمت وبشكل كبير عبر تاريخ القضية الفلسطينية في كشف جرائم الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته للقوانين والمواثيق الدولية، أن الكلمة باقية حين تكون مُسلّحة بالحقيقة، وان جهود كوادرها لم تكن دفاعاً عن فلسطين فحسب، بل إنقاذ لضمير الإنسانية من التزييف، وسنبقى نحن معشر الصحفيين الاردنيين وكما كنا على العهد دوما «نحمل القلم كالبندقية؛ لأن كل حرف ننشره هو رصاصة في قلب الظلام».
إن الدعم الدولي للصحافة الحرة، وحماية العاملين فيها من ممارسات الاحتلال القمعية ليس واجباً أخلاقياً فقط، بل شرط لتحقيق السلام العادل، وفي معركة الوعي، ستبقى الصحافة الأردنية منارةً تُضيء درب الحرية حتى يتحقق حلم الفلسطينيين بدولة مستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس. ــ الراي