الأخبار

رمزي الغزوي : دعوة لاستعادة الجمال المهدور

رمزي الغزوي : دعوة لاستعادة الجمال المهدور
أخبارنا :  

وجّه إليّ بعض الأصدقاء لوماً غير معتاد، زعموا فيه أنني من بين الذين ساهموا، من حيث لا أقصد، في تحويل غابات عجلون الخضراء إلى مكبات نفايات. وسبب اللوم أنني كنت من أكثر من كتبوا عن جمال هذه الغابات وروعتها، سواء في هذه الزاوية أو على صفحات مواقع التواصل. ومع الوقت، أصبحت عجلون وجهة محببة لآلاف المتنزهين، لم يحرص بعضهم، للأسف، على الحفاظ على جمالها كما وجدوه.
المفارقة أنني شعرت، رغم الاتهام، بشيء من الرضا؛ فالنية كانت طيبة، والدافع هو حب المكان. لكن ما أثار حزني حقاً هو ما آلت إليه هذه الربوع من عبث وتلويث متكرر. كيف نمنح أنفسنا الحق في الاستمتاع بالطبيعة ثم نتركها مثقلة بالأذى؟ والسؤال المؤلم: هل من يترك وراءه القمامة، يجرؤ على العودة إلى المكان ذاته بعد أيام؟ هل سيجده كما كان؟
أول أمس زار عجلون آلاف السياح والمتنزهين. معظمهم مرحب بهم طبعاً، لكن من المؤسف أن أثرهم الاقتصادي شبه معدوم، إذ يأتون بكل ما يحتاجونه معهم، دون أن يشتروا شيئاً من أهل المنطقة. ومع أن هذه ملاحظة تستحق التوقف، إلا أن القضية الملحة الآن تتجاوز الاقتصاد إلى ما هو أعمق: إلى القيم.
أحد المشاهد التي ما زالت عالقة في ذهني، أنني رأيت كيس قمامة يتدلى من جذع شجرة قيقب وارفة. للحظة، شعرت وكأن أحدهم يعلقه كميدالية شكر لهذه الشجرة على ما منحته من ظل وراحة! أي تكريم هذا؟ أي فهم مقلوب للجمال والامتنان؟
الأمر لم يعد يحتمل. أقدّر أن هناك مئات الأطنان من النفايات والبلاستيك المتناثر في أحراشنا ومتنزهاتنا. ومع قلة الموارد وصعوبة التغطية، لا يمكن تحميل البلديات وحدها هذه المسؤولية. حملات النظافة الموسمية جميلة، لكنها لا تكفي، خاصة إذا تحولت إلى فرص لالتقاط الصور أكثر من كونها عملاً بيئياً حقيقياً.
الحل ليس معقداً، بل في منتهى البساطة: خذ كيسك معك. عندما تزور أي مكان طبيعي، لا تترك أثراً خلفك. اجمع نفاياتك، واحملها معك حتى تجد حاوية مناسبة. هذه ليست رفاهية، بل ضرورة أخلاقية وثقافية.
أراهن على الخير الكامن في نفوس الناس. أؤمن أننا قادرون على تحويل هذا السلوك البسيط إلى عادة جماعية. وأدعو شباب المناطق الطبيعية إلى أن يكونوا رواد التغيير: وزعوا الأكياس على الزوار، ساعدوهم على التنظيف، قودوا بالقدوة لا بالكلام.
هكذا فقط نحفظ نعمة الطبيعة، ونصون كرامة الجمال، ونعيد لعجلون، ولسائر ربوعنا، بهاءها الذي تستحقه. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك