الأخبار

رنا حداد تكتب : على ناصية مقهى

رنا حداد تكتب : على ناصية مقهى
أخبارنا :  

تنظر حولك فتكتشف أن كل من جلس هنا، جاء ومعه قصة؛ فهناك من يتأمل الشاشة بإرهاق، وآخر يبتسم وهو يستمع لحديث صديق، وفتاة تكتب بشغف وتبتسم. تمر بجوارك وجوه لا تعرفها، لكنها تشي بحكايات. وجه يحمل تعب سفر، أو نظرة تائهة من غريب يبحث عن مكان آمن لالتقاط أنفاسه. تلمح حكاية مختصرة في حركة يد، أو في طريقة جلوس، أو حمل فنجان القهوة.
يذكّرك ذلك بأن الحياة مليئة بعابري السبيل، كلٌ يسير في طريقه، وكل مقهى قد يكون محطة قصيرة ضمن طريق طويل.
المقهى ليس مجرد مكان، بل مرآة تعكس تنوع الحياة، وفسيفساء من اللحظات اليومية التي ربما تمر بنا دون أن نمنحها التقدير الكافي.
رائحة القهوة وحدها كفيلة بإيقاظك من سبات الأفكار.
أول رشفة في الصباح تشبه بداية موسيقى ناعمة تحرّك المزاج، وتعيد ترتيب الفوضى في رأسك.
مع كل رشفة، تنبثق فكرة، أو تستقر قناعة، أو يولد حلم جديد.
المقهى مساحة حرة للعقل والروح، مساحة للبوح، وللتأمل، ولإعادة ترتيب الذات بعيدًا عن تعقيدات اليوم.أنصح بتجربتها وجدًا.
في المقهى لا يكون الجلوس وحدانيًا تمامًا. فكم من لقاء بسيط في المقهى تحوّل إلى ذكرى لا تُنسى؟
ضحكات تُسمع من الزاوية، حديث عميق يُقال بصوت منخفض، ونظرات صدق تتقاطع فوق طاولة صغيرة.
هذه اللقاءات، التي قد تبدو عابرة، تخبئ في طياتها مشاعر حقيقية، ودفئا نحتاجه وسط برودة العالم.
في هذا المكان، تتكدّس الذكريات كما تتكدّس حبوب البن في المطحنة. ربما كان هذا المقهى مسرحًا لأول لقاء جمعك بشخص مميز، أو مكانًا هربت إليه من صخب يوم ثقيل. ربما بكيت هنا يومًا بصمت، أو كتبت فكرة غيرت مجرى حياتك. كل مقهى نرتاده أكثر من مرة، يصبح ذاكرة.
وبينما تراقب الناس من حولك، قد تسهو قليلاً وتغرق في أحلام يقظة. تتخيل كيف سيكون الغد، وتعيد التفكير في الأمس، وتحاول أن تفهم ما يحدث اليوم. تلك اللحظات التي تبدو كسولًا فيها من الخارج، تكون في الداخل أكثر لحظاتك امتلاءً.
لكن ليس كل شيء هنا دائمًا ناعمًا. أحيانًا، يكون المقهى شاهدًا على لحظة وداع. يجتمع فيها شخصان، يتحدثان بصوت خافت، يتبادلان نظرة طويلة، ثم ينهضان ويغادر أحدهما وحده. تبقى الطاولة خالية، وتبقى المشاعر عالقة في الهواء، كما لو أن المقهى يحزن على فراقٍ شهده.
على ناصية مقهى، لا تدور الحياة حول القهوة فقط. بل حول التفاصيل الصغيرة التي تبني مشاعرنا، وتلون أيامنا، وتصنع ذاكرتنا. في هذا الركن من العالم، نجد أنفسنا، نلتقي بالآخرين، ونصنع لحظات تستحق أن تُحكى. أو قد نكون ودعنا، ونخرج حتى ننسى إلى الطرقات، وتبقى في المقهى..حكايات.

مواضيع قد تهمك