الأخبار

د. صلاح العبادي : واقع لا يشبه ما يتخيله ترامب!

د. صلاح العبادي : واقع لا يشبه ما يتخيله ترامب!
أخبارنا :  

بعد مئة يوم على عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض، وقلب العالم رأساً على عقب. استطلاع رأي يكشف أنّ غالبية الأميركيين يرون أنّ ترامب ديكتاتور خطير ويجب تقويض سلطته، قبل تدمير الديمقراطية الأميركية.

فما الذي حققه ترامب حتى الساعة؟! ومن الذي ينتظر الولايات المتحدة فيما تبقى من عهدته الرئاسيّة؟!

مِئةُ يومٍ مرّت على ترامب في البيت الأبيض، مرّت علينا كمئة عام خاصة نحن الصحفيين بقدر ما أمطر علينا من تصريحات وقرارات، قرارات قلبت العالم وتحول فيها العالم إلى أعداء والأعداء إلى أصدقاء، وقاد حملة غير متوقعة، أدت إلى قلب أجزاء من النظام العالمي الذي ساهمت واشنطن في بنائه عقب الحرب العالمية الثانية، كما لم يفعل أي رئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدّة الأميركية!!.

في أول مئة يومٍ من ولاية ترامب كشف عن خطّة لتحويل قطاع غزّة إلى ريفييرا الشرق الأوسط بعد تهجير سكانها.

قرّب إدارته من موسكو بشكل غير مسبوق مقابل تقليص الدعم إلى كييف، وإنخراطه في مفاوضات نووية مع إيران، مفضلاً الدبلوماسية على الخيار العسكري. تحدث عن ضم غرينلاند واستعادة قناة بنما وجعل كندا الولاية رقم ٥١ من الولايات المتحدة الأميركية.

كما شنّ حرباً تجارية على الحلفاء والخصوم على حد سواء من خلال فرض الرسوم الجمركية. وخفض المساعدات الخارجية الأميركية والانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ.

وكلف إيلون ماسك بتخفيض الإنفاق الحكومي وإلغاء وظائف وسرح مئات آلاف الموظفين واتبع سياسة هجرة غير مسبوقة؛ شملت ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وفرض المزيد من القيود على الطلاب والمقيمين.

كما أنّ ترامب يطمح أن تكون المعادن الأوكرانية تحت السيادة الأميركية، فرض رسوماً جمركية على مئة وثمانين دولة، ودخل في حرب تجارية مفتوحة مع الصين، ووضع عقوبات على النفط الإيراني وهدّد بعقوبات على النفط الروسي.

تريليون وستمئة مليون دولار خسائر الاقتصاد العالمي، وخمسة عشر تريليون دولار تبخرت من الأسواق المالية العالمية؛ وهذا يتجاوز حجم اقتصادات ألمانيا واليابان والهند وإيطاليا معاً في العام ٢٠٢٤، و ٦٠٠ مليار دولار خسائر متوقعة للتجارة العالمية.

على المستوى الشعبي تراجعت نسب التأييد للرئيس الأميركي، وبحسب آخر استطلاع للرأي نشرته أكسيوس، فإنّ غالبية الأميركيين يرون بأنّ ترامب ديكتاتور خطير يجب تقويض سلطته قبل أن يدمر الديمقراطية الأميركية ويعتقدون بأنّه تجاوز سلطته؛ مثل الفصل الجماعي للموظفين الفيدراليين.

فقد أعرب أربعة من كل عشرة أميركيين عن آراء إيجابية لترامب وفقاً للمسح الإحصائي الذي أجراه معهد أبحاث الدين العام غير الحزبي، واتفقت غالبية الأميركيين من اللون الأسود واللاتينيين والآسيويين على أنّ ترامب ديكتاتور خطير مقارنة بـ٤٥ بالمئة من الأميركيين البيض، وهو انعكاس طبيعي للانقسامات العرقية التي يولدها ترامب وأفعاله!

كما أنّ٥٢ بالمئة يطالبون بأن تكون سلطات ترامب محدودة قبل أن يدمر الديمقراطية الأميركية. استطلاع الرأي أظهر الرفض لعمليات التهجير والترحيل الجماعي والتعريفات الجمركية الشاملة، والمزيد من السيطرة على الكليات والتسريح وطرد أكثر من مئة ألف موظف فيدرالي.

كما أعرب العديد عن قلقهم بشأن تحركاته لإعادة تشكيل الحكومة وفرض الرسوم الجمركية وترحيل الأشخاص. ويتفق غالبية الأميركيين بأنّ ترامب تجاوز سلطته، عندما أمر بالفصل الجماعي للموظفين الأميركيين عبر وكالات متعددة؛ حيث يعارض أكثر من سبعة من كل عشرة أميركيين إغلاق جميع الوكالات الفيدرالية الكبرى أو تقليصها بشكل كبير، ويعارض ثُلثا الأميركيين فرض تعريفات أو ضرائب جديدة على السلع المستوردة.

يعد هذا الاستطلاع أحدث علامة على فقدان ترامب الدعم لسياساته المتعلقة بالهجرة والاقتصاد، وهما القضيتان اللتان اعتمد عليهما في الانتخابات لحدٍ كبير.

ماذا عن خصوم ترامب سياسياً؟!

زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي؛ وصف تشاك شومر أول مئة يوم من حكم ترامب بأنّها كانت الأسوأ لبداية أي رئيس في العصر الحديث. وقال "لقد كانت مئة يوم من الجحيم والاقتصاد والعائلات الأميركية وديمقراطيتنا"، محذراً بأنّ الأسوأ لم يأتِ بعد، متعهداً بأنّ الديمقراطيين سيواصلون "المقاومة"!.

مقابلات أجرتها وكالة رويترز مع اثني عشر مسؤولاً حكومياً حالياً وسابقاً ودبلوماسيين أجانب ومحللين في واشنطن وفي عواصم حول العالم.. كثر يرون أنّه ورغم بعض الأضرار التي وقعت جراء قرارات ترامب ومواقفه، وربما تكون طويلة الأمدّ فإنّ الوضع لا يكون من المستحيل اصلاحه؛ إذا خفف ترامب من سياسته، ولكن لا يرون فرصة كبيرة لحدوث تحول جذري من قبل ترامب، لا بل يتوقعون بدلاً من ذلك أن تقوم دول كبيرة بإجراء تغييرات في علاقتها الدائمة مع الولايات المتحدة؛ لحماية نفسها من سياساته المرتبكة!

لكنّ أول مئة يوم كانت متعبة رغم وجود إعادة دفء في العلاقات مع الرئيس بوتين، والدفع بالعديد من الملفات.

طبع ترامب الذي جاء من قطاع الأعمال، يَعد بأكثر مما بمقدوره أن يفي، وهو في تاريخه كرجل أعمال أعلن إفلاسه نحو ست مرات، وهذا يشي بأنّ ترامب لا يخطط دائماً ما يقوم به قبل أن يقدم على القيام به.

وعد كثيراً والحرب لم تتوقف مع روسيا، وبدأ بمسايرة بوتين، قبل أن يصبح على خلاف معه، وتحدث عن غزّة بأنّه سيجعلها ريفييرا، دون وجود خطّة واضحة تجاه غزّة. وقال إنّ كل هذه الحروب ستتوقف في الأسبوع الأول من دخوله للبيت الأبيض؛ لكنّ ذلك لم يحدث على الإطلاق!

ومع مرور مئة يوم من تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدّة الأميركية تتجه الأنظار إلى كيفية تعاطيه مع ملفات الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية!!

فهل سيصمت العالم أمام هجوم ترامب أم سنشهد نظاماً جديداً لا تكون أميركا طرفاً فيه؟!


مواضيع قد تهمك