عمران السكران : الجينوم الرياضي.. كيف ستغير التوائم الرقمية مستقبل كرة القدم؟

في عالم الرياضة، تلوح في الأفق ثورة تكنولوجية تعد بتغيير كل ما نعرفه عن الأداء الرياضي. إنها تقنية "التوائم الرقمية” ابتكار يجمع بين قوة الذكاء الاصطناعي ودقة البيانات الحيوية لخلق نسخة افتراضية من الرياضي تعمل على مدار الساعة لتحسين أدائه. لكن ما هو هذا التوأم الرقمي بالضبط؟ تخيله كظلٍ رقمي يلاحق الرياضي، يتنفس معه، يركض بجانبه، ويفكر قبله.
هذا الظل الرقمي ليس مجرد صورة ثابتة، بل هو كيان حي يتغذى على سيل متدفق من البيانات. أجهزة استشعار دقيقة، لا تكاد تُرى، تلتصق بجسد الرياضي كوشم تكنولوجي، تلتقط كل نبضة قلب، كل قطرة عرق، كل انقباضة عضلية. وفي قلب هذه المنظومة، تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بلا كلل، تحلل وتفسر وتتنبأ، محولة هذا الفيض من الأرقام إلى رؤى ثاقبة وتوصيات دقيقة.
وفقاً لدراسة حديثة نشرتها مجلة Acta Kinesiologica، فإن هذه التكنولوجيا ليست حلماً بعيد المنال. بل إن بعض الفرق النخبوية في أوروبا قد بدأت بالفعل في اختبار نماذج أولية منها. والتوقعات تشير إلى أن التوائم الرقمية ستصبح جزءاً لا يتجزأ من عالم الرياضة عالية المستوى بحلول عام 2030. فهل تتخيل معي كيف سيبدو مستقبل الرياضة السعودية في ظل هذه الثورة التكنولوجية؟
تخيل معي مدرب المنتخب السعودي (ليس مانشيني لا سمح الله) يجلس أمام شاشة عملاقة، تتراقص أمامه أشباح رقمية لكل لاعب في فريقه. بنقرة زر، يستطيع أن يغوص في تفاصيل لياقة كل لاعب، يعدل برنامجه التدريبي بدقة جراح، يزيد من حمل التدريب هنا، يخففه هناك، يغير نظامه الغذائي؛ كل ذلك بناءً على تحليلات فورية لحالة اللاعب الفسيولوجية والنفسية. وفجأة، يومض إنذار أحمر: "احتمال 75٪ لإصابة في الركبة اليمنى للاعب X خلال الأسبوعين القادمين”. هذا التنبؤ، المبني على تحليل دقيق لأنماط الحركة والضغط على المفاصل، يمكّن الفريق الطبي من التدخل قبل أن تقع الكارثة.
الأمر لا يتوقف عند حدود التدريب والوقاية من الإصابات، تخيل معي مباراة حاسمة في كأس العالم 2030، المدرب لا يعتمد فقط على حدسه وخبرته، بل على محاكاة رقمية دقيقة أجراها قبل المباراة، حيث خاض المباراة آلاف المرات في دقائق معدودة، مستخدماً التوائم الرقمية لفريقه والفريق المنافس. هذه المحاكاة كشفت عن ثغرة دفاعية خفية لدى الخصم، ثغرة لم يكن ليلاحظها العين المجردة.
وأثناء المباراة نفسها، يتلقى كل لاعب تعليمات فورية من توأمه الرقمي – همسة في الأذن تنصح بتعديل وضعية الجسم لتحسين التسديد، تحذير من الإرهاق الوشيك، نصيحة بشرب الماء لتجنب الجفاف. كل هذا يحدث في الوقت الفعلي، مما يمنح الفريق ميزة دقيقة ولكنها حاسمة.
لكن هذه الثورة التكنولوجية لا تقتصر على النخبة فقط، تخيل معي: في أكاديمية للناشئين، يتم استخدام التوائم الرقمية لرسم مسار تطور كل لاعب شاب.الذكاء الاصطناعييحلل أداء اللاعب الصغير، يتنبأ بمساره المستقبلي، ويساعد في تصميم برنامج تطوير فردي يضمن وصوله إلى أقصى إمكاناته. وهذا النهج الدقيق في تطوير المواهب قد يكون المفتاح لخلق جيل ذهبي جديد للكرة.
ولعل أهمية هذه التقنيات تتجلى بشكل أكثر وضوحاً عندما ننظر إلى الأرقام المذهلة حول الإصابات الرياضية، فوفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Nature المرموقة، يتعرض لاعبو كرة القدم المحترفون لما يتراوح بين 2.5 إلى 9.4 إصابة لكل 1000 ساعة من الجهد البدني، والأكثر إثارة للقلق أن ثلث هذه الإصابات تقريباً ناجم عن الإفراط في التمارين، وهو أمر يمكن تجنبه بالتأكيد مع الاستخدام الذكي للتكنولوجيا.
وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كمنقذ محتمل. فقد أظهرت دراسة حديثة استخدمت تقنيات متقدمة مثل Support Vector Machines أن الذكاء الاصطناعي قادر على التنبؤ بالإصابات الرياضية بدقة مذهلة، من خلال تحليل بيانات دقيقة حول زوايا المفاصل وأنماط الحركة، يمكن لهذه الأنظمة الذكية أن تتنبأ بالإصابات قبل وقوعها، مما يتيح للأطباء والمدربين اتخاذ إجراءات وقائية في الوقت المناسب.
ولسنا بحاجة للنظر بعيداً لنرى التطبيقات العملية لهذه التكنولوجيا، ففي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية (NFL)، أظهرت تقنية "الرياضي الرقمي” – وهي شكل متطور من التوائم الرقمية – نتائج واعدة في الحد من الإصابات الخطيرة، خاصة تلك المتعلقة بالصدمات وإصابات الرأس، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل ملايين السيناريوهات المحتملة، تمكنت الفرق الطبية من تطوير استراتيجيات وقائية أكثر فعالية، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الإصابة. ــ الراي