الأخبار

سامح المحاريق : المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه التهديدات الأمنية الأخيرة

سامح المحاريق : المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه التهديدات الأمنية الأخيرة
أخبارنا :  

بعض المتهمين الذين عرضت اعترافاتهم على شاشات القنوات الأردنية، كانوا موضوعًا لمطالبات نواب حزب جبهة العمل الإسلامي ونواب محسوبين على الإخوان المسلمين، وأحدهم أتى ذكره في خطاب لأحد النواب، وهو الأمر الذي يتطلب توضيحات مستفيضة تأتي من النواب أنفسهم، ومعها الإحاطة الأمنية اللازمة التي جعلت مثل هذه المطالبات قائمة من الأساس، خاصةً أن المطالبات استندت إلى ترويج احتجاز المتهمين على خلفية مواقفهم المناصرة لأهل قطاع غزة المستهدفين بالعدوان الإسرائيلي الغاشم، بما يعني محاولة إسباغ البطولة تجاههم، والإيحاء أن الدولة الأردنية تتخذ موقفًا سلبيًا تجاه المقتلة الدائرة في غزة وتطارد المتعاطفين وتضيق عليهم، وهو ما ينافي الحقيقة بصورة واضحة.

الخطوة التالية، تتطلب اجراءات غير مسبوقة على خلفية التجييش الذي خاضته الجماعة ضد الدولة الأردنية، بما أدى إلى تشكل المظلومية التي تعد إحدى أدوات التغرير بالشباب وجعلهم يتصورون حالة خصومة مع الدولة والمجتمع، أي تمهيد الأرضية لاستعادة أدبيات سيد قطب، وإشاعة تصور ذاتي للفرقة المؤمنة في مواجهة المجتمع الجاهلي، الجاهلية الحديثة.

المزاودة أداة وظفتها الجماعة تاريخيًا، ولكنها وسيلة سياسية مقبولة في الظروف الاعتيادية، أما في الأحوال الاستثنائية والمعقدة محليًا وإقليميًا، فالمسؤولية يجب أن تحضر قبل أي شيء، والخطاب المزاود والحديث عن احتكار الجماعة لخطاب نصرة فلسطين، والايحاء بتقصير الأردن والأردنيين، فذلك يتخذ بُعدًا مليئًا بالتشويش والتوتير، بما يخلق تفاوتًا بين مكونات الدولة الواحدة، وافتراقًا حول المنطلقات والغايات، وهو آخر ما تحتاجه الدولة الأردنية في هذه المرحلة.

قبل الإعلان بيوم واحد كان مجلس النواب يخوض حوارًا محتدمًا حول إضافة عبارة عدم التعارض مع الشريعة الإسلامية في نص أحد القوانين المعنية بشؤون المرأة، وكأنها ليست أمرًا واضحًا بالضرورة في مجتمع متدين، وكأن معظم الأمور التي تُعنى بشؤون المرأة لا تؤول للمحاكم الشرعية، ولكن الرغبة في استخدام الإسلام وتأميمه بوصفه أداة سياسية أصبحت تحرك الجماعة، تجاه مسألة تصنيف المجتمع واستصدار صكوك الغفران، وللأسف فإن هذه الكتلة النيابية لم تظهر خطابًا متماسكًا يتعلق بالاقتصاد سوى المطالب الشعبوية، بينما يفترض أن دورهم الاشتباك مع التحديات المتراكمة والمحتملة في الأفق.

من الصعب الاقتناع بدفع الجماعة في بيانها الصادر عقب الإعلان عن الخلايا الإرهابية تجاه خانة التصرفات الفردية، ففي تنظيم يقوم على نظام الأسرة، الذي يفرغ الأسرة الطبيعية وعلاقات الصداقة والجوار من معانيها لمصلحة الانتماء الأيديولوجي، من الصعب القول بتولد نزعة فردية من غير دراية التنظيم الذي يتكامل بصورة هرمية، ثم أن وجود تواصل مع الخارج وعلاقات خاصة بالتمويل، يجعل التحرك الفردي أمرًا مستبعدًا.

ربما ليست كل الجماعة متوافقة مع ذلك، وجزء آخر كبير، قد يكون متعاطفًا مع الشباب المتورطين، من غير أن يرتكب فعلًا جرميًا، ولا أن يكون لديه الاستعداد لذلك، ولكن مسؤولية الجماعة هي المراجعة الشاملة لخطابها وبعض من أفكارها المؤسسة، فالجماعة يفترض أن تكون فاعلًا داخل الوطن لا بديلًا محتملًا كما يتصور البعض.

وإذا كان الحديث عن تحضير يشمل 16 متهمًا، فهم بالتأكيد لم يكونوا التشكيل الكامل في حالة النزوع لأعمال تستجلب الفوضى، وفي الاعترافات كان يدور حديث حول التجنيد، فأين يبدأ هذا الملف وأين ينتهي؟ هذه قصة كبيرة يجب أيضًا أن تقدم إجابات بخصوصها.

بالمقابل، اتهام الجماعة كلها، وجميع المنتمين والمتعاطفين، ربما ليس مدخلًا صحيحًا، ولكن ما يمكن أن نخلص له أن الجماعة يجب أن تمتلك الشجاعة لتحمل المسؤولية تجاه ما وصفته بالأعمال الفردية التي كانت تجري داخل الأسر التابعة من أشخاص متصلين بمستويات تنظيمية عليا، وتحمل المسؤولية في حدوده الدنيا هو تقديم اعتذار صريح للشعب الأردني واستقالة نواب الذراع السياسية للجماعة من مجلس النواب إلى حين إنضاج مقاربة واقعية تجعل الجماعة سندًا وعمقًا للوطن، شأن غيرها من القوى السياسية.

أنهى الأمن دوره بخصوص تحدٍ كبير وخطير، وسيتابع أعماله لتجنيب الأردن أية أعمال تستهدف أمنه وسلامته، إرهابية كانت أو شبه عسكرية، ولكن المحاسبة السياسية والمجتمعية يجب أن تحضر أيضًا بوصفها ضرورة لاستعادة الثقة في تنظيم يسعى لتبرئة نفسه، والتبرئة يجب أن ترتبط بالتكلفة السياسية والمسؤولية الأخلاقية، وتعزيز الثقة في الدولة وأدواتها على التعامل بشفافية وحزم مع قضية لا يمكن أن تضاف إلى إضبارة الاحتواء والتأجيل على أسس غير واضحة وغير كاملة.

مواضيع قد تهمك