أ. د. ليث كمال نصراوين : التبعات القانونية لمن يعبث بأمن الأردن

أحبطت دائرة المخابرات العامة مخططات إرهابية كانت تسعى إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والاعتداء على السلامة العامة، والتي يتورط فيها مجموعة من الأردنيين المنتسبين إلى جماعة سياسية غير مشروعة ومنحلة بحكم القانون. فقد كشفت الاعترافات الشخصية لهؤلاء الإرهابيين عن الأهداف التي كانوا يسعون إلى القيام بها من خلال تصنيعهم لصواريخ ومواد متفجرة، تتمثل باستعمالها ضد الدولة الأردنية، وضرب أمنها واستقرارها وتعريض حياة الأفراد فيها للخطر الداهم.
وبعد ذلك، أعلنت النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة عن الانتهاء من كافة الإجراءات القانونية المتعلقة بتكييف الأفعال الجرمية للأشخاص المتورطين بها، وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة صاحبة الاختصاص الدستوري في محاكمتهم عن جرائم الإرهاب المسندة إليهم.
وتتمثل التبعات القانونية المباشرة لهذه القضية التي تشغل الرأي العام الأردني في صدور أحكام جزائية بالحبس بحق المتهمين فيها، وذلك بعد استنفاد كافة الطرق القانونية المقررة للطعن بأحكام محكمة أمن الدولة إلى محكمة التمييز. في المقابل، قد تكون هناك تبعات قانونية وسياسية أخرى ترتبط بصدور الحكم القضائي بإدانة المتورطين في هذه القضية، إذا ما ثبت بقرار المحكمة ارتباطهم بجهات سياسية وحزبية أردنية.
فعلى الرغم من أن جماعة الأخوان المسلمين قد فقدت كينونتها القانونية بصدور الحكم القضائي باعتبارها غير مرخصة، فإن التساؤل الأبرز يكمن في أثر صدور الحكم القضائي النهائي بإدانة الإرهابيين على أية جهات سياسية أو حزبية أخرى ترتبط بهذه الجماعة، من ضمنها ذراعها السياسية في مجلس النواب.
فعلى الرغم من أن الحزب السياسي في الأردن يجري إنشاؤه وفق أحكام المادة (3) من القانون ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، إلا أن ثبوت علاقة أي منهم بالإرهابيين المتورطين بالأفعال الجرمية، أو ارتباط أي من قادة الحزب أو معرفتهم بالأنشطة الجرمية محل الركن المادي للقضايا ذات الصلة، قد يجعل منهم شركاء في الجرم وفق قواعد المساهمة الجرمية.
إن الحزب السياسي كان محور عملية التحديث السياسي التي تبنتها الدولة الأردنية منذ عام 2021، فتقرر له العديد من الحقوق والمكتسبات غير المسبوقة. في المقابل، فقد جرى تقييده بمجموعة من الشروط والأحكام الخاصة التي يجب عليه الالتزام بها أثناء ممارسته لمهام عمله. فالمادة (15) من قانون الأحزاب السياسية تفرض على الحزب احترام الدستور والمحافظة على استقلال الوطن وأمنه، وعدم اللجوء إلى العنف أو التحريض عليه بجميع أشكاله، والامتناع عن إقامة أي تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.
أما التبعات القانونية لمخالفة أي حزب سياسي أردني للقيود المفروضة عليه عند مباشرته مهام عمله، فتتمثل بصدور قرار قضائي عن محكمة البداية المختصة بحل ذلك الحزب. فقانون الأحزاب السياسية قد أعطى الحق لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب بأن يقيم دعوى قضائية على الحزب المعني في حال مخالفته أحكام الدستور، أو قبوله تمويلا من أي جهة أو شخص خلافا لأحكام القانون، أوثبوت ارتباطه ارتباطا تنظيميا بجهة خارجية بموجب قرار قضائي يصدر في دعوى جزائية.
وقد جاء في اعترافات المتهمين في الأعمال الإرهابية الأخيرة والمرتبطين بجماعة الأخوان المسلمين منذ سنوات أنهم قد قاموا بزيارات متكررة إلى لبنان، والتقوا بنتظيمات خارجية وتلقوا منها أموالا لتمويل أنشطتهم الإجرامية. فهذه الإشارات كلها إذا ما ثبتت بحكم قضائي نهائي وارتباطها بحزب سياسي بعينه، ستشكل مخالفة صريحة لأحكام قانون الأحزاب السياسية تبرر حل ذلك الحزب وفق أحكام القانون.
ومن المسؤوليات الأخرى التي يتعين على الحزب السياسي مراعاتها تحت طائلة الحل، ما قررته المادة (36) من قانون الأحزاب السياسية، والتي تحدد حالات معينة يتم فيها حل الحزب السياسي تبعا لقرار قضائي بإدانته في جريمة تشكيل تنظيمات أو مجموعات تهدف إلى تقويض نظام الحكم أو المساس بالدستور، أو المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر بدعم التنظيمات والجماعات التكفيرية أو الإرهابية أو الترويج لها.
إن هذه الشبهات الجزائية سيتم حسمها من قبل محكمة أمن الدولة في قرارها القضائي عند صدوره، والذي سيتضمن الوقائع التفصيلية لمجريات الأحداث، وبيان أية ارتباطات حزبية أو سياسية للمتهمين في القضية إلى جانب انتسابهم إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وفي حال أن تقرر وجوب التوسع في التبعات السياسية والقانونية لقرار محكمة أمن الدولة، فإن التشريعات الوطنية ذات الصلة تتضمن نصوصا واضحة وصريحة للتعاطي مع هذه الآثار الممتدة، أهمها آلية حل الحزب السياسي المخالف للقانون، ومصير أعضائه النواب المنتخبين في البرلمان، وكيفية شغل أي مقعد نيابي على مستوى القائمتين العامة والمحلية وفق أحكام القانون.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية ــ الراي
laith@lawyer.com