الأخبار

أ. د. هاني الضمور : التجارة الدولية للأردن.. بين الاستيراد والموت!

أ. د. هاني الضمور : التجارة الدولية للأردن.. بين الاستيراد والموت!
أخبارنا :  

لطالما قيل إن على الدول أن تختار بين التصدير أو الموت، وكأن الحل الوحيد للخروج من الأزمات الاقتصادية يكمن في إرسال المزيد من البضائع إلى الأسواق الخارجية. لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذه المعادلة المبسطة، فالتحدي الحقيقي الذي يواجه الاقتصاد الأردني لا يكمن فقط في ضعف الصادرات، بل في نزيف الاستيراد الذي يرهق الخزينة العامة، يستنزف الموارد، ويجعل الاقتصاد في حالة تبعية مستمرة للأسواق الخارجية. فبين الاستيراد والتصدير، يقف الأردن على حافة التوازن الهش، حيث لا تكفي الصادرات المتواضعة لتعويض العجز المزمن الذي يخلفه الاعتماد الكبير على الواردات.

الاقتصاد الأردني لم يكن يومًا اقتصادًا مغلقًا، فموارده الطبيعية محدودة وأسواقه المحلية صغيرة، ما يجعله معتمدًا على التجارة الدولية في تأمين احتياجاته الأساسية. ومع ذلك، فإن الفجوة بين ما يستورده وما يصدره تتسع عامًا بعد عام، ما يضع ميزان المدفوعات في حالة ضغط دائم، ويجعل الاقتصاد أكثر هشاشة أمام التقلبات العالمية. في كل مرة ترتفع فيها أسعار النفط أو الغذاء عالميًا، يجد الأردن نفسه في مواجهة أزمة جديدة، لأنه ببساطة لم يبنِ بعد القدرة على تقليل اعتماده على الأسواق الخارجية. العجز التجاري المستمر ليس مجرد رقم في التقارير الاقتصادية، بل هو مؤشر خطير على ضعف الإنتاج المحلي وعدم القدرة على تلبية الطلب الداخلي، وهو ما يجعل النمو الاقتصادي هشًا، والبطالة مرتفعة، والقدرة الشرائية في تراجع مستمر.

الترويج لفكرة أن التصدير هو الحل الوحيد ليس كافيًا، لأن التجارب الاقتصادية الناجحة عالميًا لم تعتمد فقط على تصدير المزيد، بل على بناء قاعدة إنتاجية محلية قوية تقلل من الحاجة إلى الاستيراد العشوائي. سنغافورة وكوريا الجنوبية لم تصلا إلى القمة فقط من خلال التصدير، بل لأنهما ركزتا على التصنيع المحلي المتطور، والابتكار التكنولوجي، والاستثمارات الإنتاجية الداخلية. الصين لم تصبح قوة اقتصادية لأنها صدّرت كل شيء، بل لأنها أولًا استثمرت في بنيتها الإنتاجية، وخلقت سوقًا داخليًا قويًا، واعتمدت على إنتاج احتياجاتها قبل أن تغزو الأسواق العالمية. حتى تركيا، رغم انفتاحها التجاري، حرصت على تصنيع السلع التي كانت تستوردها سابقًا، مما مكنها من تحقيق قفزات اقتصادية كبيرة وتقليل تبعيتها للأسواق الخارجية.

إنقاذ الاقتصاد الأردني لا يمكن أن يعتمد فقط على التصدير، بل يتطلب إعادة التفكير في نموذج التجارة بأكمله. لا بد من تحفيز الصناعات المحلية القادرة على تلبية احتياجات السوق الأردني وتقليل الاستيراد، مثل الصناعات الدوائية، التكنولوجيا، الصناعات الغذائية، والطاقة المتجددة. لا يمكن أيضًا الاستمرار في استيراد كل شيء دون سياسة واضحة، فلابد من تقنين الاستيراد وتوجيهه نحو ما هو ضروري فقط، ودعم المنتجات المحلية التي يمكن أن تحل محل السلع المستوردة. لا بد من دعم الشركات الناشئة والمصانع الصغيرة التي تستطيع إنتاج البدائل محليًا، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد في كل شيء. تطوير القطاع الزراعي واستغلال الموارد الطبيعية بكفاءة أكبر يمكن أن يساعد في تحقيق أمن غذائي حقيقي يقلل من الحاجة إلى استيراد المواد الغذائية الأساسية. أما قطاع الطاقة، فيمكن أن يشكل ثورة اقتصادية إذا تم الاستثمار بجدية في الطاقة الشمسية والرياح، مما يقلل من الاعتماد على واردات النفط والغاز التي تستنزف جزءًا كبيرًا من الميزانية العامة.

بين الاستيراد والموت، لا خيار للأردن سوى اختيار الإنتاج، لأن الدول لا تنهار فقط بسبب ضعف التصدير، بل قد تسقط أيضًا تحت وطأة الاستيراد غير المدروس، والتبعية الاقتصادية، وعدم الاستثمار في قدراتها الذاتية. إذا أراد الأردن أن ينجو اقتصاديًا، فعليه أن يخرج من هذه الدائرة المفرغة ويبني اقتصادًا يعتمد على الإنتاج المحلي، وليس على المديونية والأسواق الخارجية. التصدير وحده لن ينقذنا، لكن الاكتفاء الذاتي المدروس هو طوق النجاة الحقيقي.

استاذ التسويق الدولي في الجامعة الاردنية

مواضيع قد تهمك