الأخبار

رمزي الغزوي : حين يصبح الاختفاء مستحيلاً

رمزي الغزوي : حين يصبح الاختفاء مستحيلاً
أخبارنا :  

متى كانت آخر مرة شعرت فيها أنك وحدك حقًا؟ أن لا أحد يراقبك، لا كاميرا خفية، لا خوارزمية تحلل خطواتك، ولا إشعار مفاجئا يخبرك أن شخصا التقيت به قبل ساعات يقفز أمامك كاقتراح صداقة على فيسبوك؟
لماذا يظهر هذا الشخص فجأة في قائمتك؟ كيف عرف التطبيق أنك كنت بقربه؟ هنا عليك أن تسأل هاتفك الذكي! فهو متواطئ مع هذا الفضاء الرقمي، يسجل تحركاتك ويهمس بها لفيسبوك. يكفي أن تحفظ رقمه، أو تحدد موقعك أثناء لقائك به، حتى تجد الشبكة الاجتماعية تتطوع بتزكيته كصديق محتمل.
نحن مكشوفون للجميع: حكومات، شركات، وأفراد. يعرفون أسماء أطفالك، صفوفهم الدراسية، أمراضهم الوراثية، بل وربما عدد قمصانهم في خزانتك. لم يعد هناك أسرار، حتى أقاربك الصامتون على فيسبوك يرصدونك بصمت هم أبراج مراقبة. ألا تصدق؟ جرّب فقط أن تذكر أحدهم بسوء، وسترى سرعة وصول الخبر.
كما أن سطوة «الأخ الأكبر» أعظم مما نتصور. إنها قريبة حد الهمسة، حاضرة في نبضك، مختبئة في زفرة أنفاسك. ولا عجب أن يصرخ من ضاق ذرعا بهذا العالم الرقمي متمنيا أن يطرق نافذة الحياة الواقعية صارخًا، «نزّلني هون يا عمي».
لكن الهروب ليس سهلًا. عليك أن تتفنن في إخفاء موقعك إن استطعت. كلما تحركت، يسألك هاتفك الحشري: «هل تريد مشاركة موقعك؟» وإن وافقت، ستجد من يراقبك دون أن تدري. تخيل أنك جلست في مطعم ما، فإذا بشبكة الإنترنت تخبر الجميع أنك في «مطعم» بصحبة زميلة لك. وعندها، قد يصل إشعار آخر إلى زوجتك، التي كانت تظن أنك في رحلة عمل إلى البحر الميت، لتتلقى رسالة قصيرة مليئة بالغضب: «وبتقول إنك نزلت عالبحر الميت مع الشركة، ها؟ طيب يا كبير، بترجع وبنتفاهم».
نحن نحيا في بيت زجاجي شفاف، مكشوف تماما لكل إشعاعات المعرفة، المراقبة، التلصص، والفضول. قد نحاول صد هذه الإشعاعات، لكن أثرها يبقى، نشعر بحرارة التوتر، نغلي بالغضب، نحترق قلقا، ويخنقنا الشعور بعدم الأمان.
وهنا ربما سيتمنى الواحد منا العودة إلى الغابة الأولى، الكهف الأول، حيث لا ضوء يراقبنا، ولا عين تترصدنا، ولا خوارزمية تسبق خطواتنا. لكن السؤال الأهم: هل يمكننا حقا العودة؟ أم أن البيت الزجاجي أصبح سجنا لا مهرب منه؟ ــ الدستور

مواضيع قد تهمك