د. اكرم مساعدة : رقابة الطرق والاخلاق

قرأت مقالاً للأستاذ المحامي محمد الصبحي نشره على موقع عمون الاخباري قبل ثلاثة أيام بعنوان " أخطر شارعين في عمان" مشيراً الى دهس أحد الأشخاص ووفاته على يد سائقين متهورين كانا يقومان بسباق في شارع الملكة رانيا في عمان زادت سرعتهما فيه عن الحد المقرر بأكثر من 50 كم، مستنكراً ما تشكله هذه السرعات الجنونية من اخطار تنعكس فواجع ومصائب لأسر بريئة، فاستذكرت هنا ما يدور دائماً في الجلسات العامة من نقد شديد للممارسات المستمرة التي تصدر عن المتهورين وغير المبالين بحياة المواطنين، وقارنت حالتنا الأردنية بمثيلتها في دولة الامارات العربية المتحدة. فقد عدت قبل أيام من الامارات بعد أن كنت في زيارة لها لمدة تزيد عن الأسبوعين وكنت في سنوات ماضية مقيماً هناك. في الزيارة الأخيرة تجولت في الامارات كاملة سائقاً سيارة مستأجرة، وخلال تلك الفترة وسابقتها كذلك لم يحدث ان اوقفني رجل سير أو دورية شرطة، وحتى يندر ان كنت اشاهد شرطي سير وكما هو الحال في الكثير من دول العالم المتقدمة.
أعجبني نظام السير في الامارات لما لمسته من التزام شديد بقوانين السير واحترام حقيقي للمشاة فلم اشاهد سائقاً يقطع إشارة المرور الحمراء ولم اصادف شخصاً يلقي بقاذوراته من نوافذ السيارة كالذي يحدث عندنا، فالتقيد بالنظام المروري متمكن في اذهان الجميع هناك واما عندنا فمحاولة تجاوز القانون والالتفات على نظام السير سلوكاً مألوفاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه ويدور على السنة الجميع مواطنين ومقيمين في بلدنا، لماذا تحدث هذه التجاوزات ولماذا التحدي والتعدي على نظام السير والطريق والمشاة من قبل البعض في بلدنا.
هل البشر هناك مختلفون، هل هم أصحاب اخلاق عالية وذوق رفيع ما دام ان الشعار السائد هو ان من أعمدة قيادة السيارة الرئيسية هي الدوافع الأخلاقية.
في الامارات أكثر من مائة جنسية والمقيمون جاؤوا من كل بقاع الأرض في حين عندنا الأردنيون هم الأغلبية الساحقة، فهل أولئك أكثر اخلاقاً منا ويشعرون بكل حرص على التقيد بالقانون.
الحقيقة انني على يقين ان المسألة ليست مسألة اخلاق وذوق لكنها تكمن في تخليق الافراد ليصبحوا أصحاب خلق وذوق ومشاعر نبيلة.
عندنا إذا ذهبت من اربد الى عمان مثلاً ستشاهد ما لا يقل عن خمس نقاط شرطة وكمرات مراقبة وربما تَسأل أكثر من مرة في المشوار الواحد عن رخصة قيادتك ورخصة مركبتك ويتم ايقافك بغض النظر عن التزامك بالسير والسلوك المطلوب، ومع ذلك يحدث ما يحدث من انفلات مروري.
الفرق في الحالتين ان سائق المركبة هناك مراقب تماماً وهو يعرف انه كذلك وانه ليس باستطاعته النجاة من المخالفة اذا ارتكبها، ويعرف ان المخالفة تعني عبئاً مالياً عليه ربما يصعب عليه تحمله وربما تؤدي أحيانا الى افقاده لعمله وترحيله عن البلاد، ولذلك عليه لزوماً الظهور بمظهر الخلق الملتزم وبما ينعكس نتيجة مقبولة من الجميع ويظهر أثرها في التقليل من الحوادث وفواجع الطرق والخسائر في الأرواح والأموال، وكذلك توفير الجهد الكبير على رجال الامن الذين تكمن مهمتهم في الأصل في مساعدة الاخرين والتواجد عند الاستعانة بهم. وتتم المراقبة هناك بالأنظمة والتقنيات الحديثة التي لا تجامل ولا تتهاون ولا تمنح الفرصة للمستهتر الجاهل ليدعي انه فلان أو ابن فلان ..... الخ.
نعم وبالتأكيد تغطية الطرق بوسائل المراقبة الحديثة ستكبح جماح المستهترين والعابثين. ولو عرف كل سائق في الأردن ان الإشارة الضوئية التي وجدت لخدمته مثبت عليها كاميرا تسجّل المخالفة التي يرتكبها فانه حتماً سيلتزم بها. وكم نرى ونشاهد جميعاً التزام السائقين امام الإشارات المزودة بكمرا وكذلك عند مرورهم بجانب كمرات مراقبة السرعة (الرادار)، فالمطلوب إذاً تغطية الطرق من أولها لأخرها برقابة آلية حديثة وخلق نظام الكتروني متكامل يضبط حركة السائقين في ارجاء بلدنا وليس في زيادة الغرامات والعقوبات على المخالفات اذ أن العقوبات المفروضة الآن تتناسب وربما تزيد عن قدرات المواطن الأردني المالية وعندها سنلاحظ كم هي اخلاق سائقينا عظيمة، وتعاملهم مع الطريق قانوني وسليم أسوة بالكثير من الدول. بهذه الوسيلة فقط تُصنع اخلاق السائقين وأما الارشاد والمواعظ فلم تجد نفعاً، وعندها نعرف ان الممارسات التي نشاهدها يومياً هي ليست الاخلاق ولا تدور معها ولكنها الرقابة الفاعلة. وكل الشكر للأستاذ المحامي محمد الصبحي الذي دفعني لكتابة هذه الخاطرة.