الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : كابوس نتن ياهو

اسماعيل الشريف يكتب : كابوس نتن ياهو
أخبارنا :  

«لا شيء يوحِّد الأمّة أكثر من حرب خارجية»، بسمارك.
يتعين على الكنيست التصويت على ميزانية الكيان المحتل لعام 2025 قبل نهاية الشهر الحالي. وفي حال عدم الموافقة عليها ضمن هذا الموعد النهائي، سيُحَل البرلمان تلقائيًّا وتُجرى انتخابات مبكرة في غضون تسعين يومًا.
يمثل هذا السيناريو تحديًا خطيرًا لنتن ياهو، إذ لا يزال الائتلاف الحاكم منقسمًا حول عدة قضايا مرتبطة بالميزانية لم يتم التوافق عليها بعد. وعلى الرغم من إقرار الميزانية في القراءة الأولى -خلال كانون الثاني الماضي بفارق ضئيل (59 صوتًا مؤيدًا مقابل 57 صوتًا معارضًا)- لا تزال العقبات قائمة أمام إقرارها النهائي.
تعاني الميزانية المقترحة من عجز كبير يُقدَّر بنحو 8.5% من الناتج المحلي، وذلك نتيجة الإنفاق العسكري المتصاعد لتمويل الحروب في المنطقة. ورغم هذا العجز، تُصِر الأحزاب الدينية على زيادة الإنفاق ليصل إلى 32.43 مليار دولار، وهو الأعلى في تاريخ الكيان. لمواجهة هذا الوضع، يسعى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى فرض ضرائب جديدة بقيمة 10 مليارات دولار، إضافة إلى ضرائب على الأرباح غير الموزعة للشركات تبلغ 2.8 مليار دولار. وفي حال عدم إقرار هذه الضرائب، سيتفاقم العجز ليتجاوز 20%، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي بشكل خطير.
في الوقت ذاته، تضع الأحزاب الدينية، وبخاصة شاس ويهدوت هتوراة، شرطًا أساسيًّا لموافقتها على الميزانية يتمثل في منح الحريديم (اليهود المتشددين) إعفاءً من الخدمة العسكرية الإلزامية. وقد أججت هذه المسألة خلافًا عميقًا داخل المجتمع؛ حيث تعتبر الأحزاب العلمانية والليبرالية أن هذا الإعفاء ينتهك مبدأ المساواة بين المواطنين، إذ يقع عبء القتال على الجبهات على كاهل أبنائهم وحدهم، بينما تتمسك الأحزاب الدينية بموقفها المعلَن بأن دراسة التوراة ينبغي أن تكون بديلاً مُعترَفًا به عن الخدمة العسكرية.
تتزايد الضغوط على الحكومة لإدراج الحريديم ضمن نظام التجنيد الإلزامي، خصوصًا مع احتياج الكيان المتنامي للمزيد من الجنود. وفي حال فُرض عليهم التجنيد، فمن المؤكد أنهم سيعارضون الميزانية بشدة، مما سيفاقم الأزمة الحالية ويزيدها تعقيدًا.
يواجه نتن ياهو أيضًا أزمة حقيقية مع حلفائه السياسيين، إذ صوت بعضهم ضد الميزانية في القراءة الأولى، وعلى رأسهم حزب بن غفير وحزب اليمين القومي الذي يشغل ستة مقاعد في الكنيست. وإذا استمر هؤلاء الحلفاء على موقفهم الرافض، فسيصبح من شبه المستحيل تحقيق الأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير الميزانية.
هذا هو الكابوس الحقيقي الذي يطارد نتن ياهو؛ أن تسقط الميزانية فتنهار معها حكومته. فرصه في أي انتخابات مقبلة تبدو ضئيلة، مما قد يعني نهاية مسيرته السياسية. كما أن سقوطه سيجرده من الحصانة التي يتمتع بها حاليًا، ليواجه محاكمته بتهم الفساد داخل الكيان المحتل، ولن يجد من يحميه من الملاحقة القضائية الدولية المحتملة بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
لذلك، يبدو استمرار الحرب هو الملاذ الوحيد المتاح لنتن ياهو، حيث يستثمرها كأداة للحفاظ على تماسك حكومته وبقائها. وفي سبيل هذه الغاية، قام بتصعيد التوتر في الضفة الغربية عندما خفت حدة المواجهات في غزة، ثم انتقل إلى احتلال أراضٍ في سوريا بعد إخفاقه في تحقيق «النصر المطلق» الذي وعد به ضد حركة حماس. كما يعمد إلى وضع العراقيل أمام مفاوضات الهدنة ويزيد من تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، في محاولة منه للبقاء في المشهد السياسي.
سيشكل الشهر الحالي مفترق طرق حاسمًا في مسيرة نتن ياهو السياسية، إذ سيبذل كل ما في وسعه لاستمالة بن غفير والأحزاب اليمينية المتطرفة، مهما كانت التكلفة باهظة. غير أنه يواجه عقبة كبيرة تتمثل في ترامب ووتكوف، اللذين يحولان دون عودته إلى التصعيد العسكري في غزة، بعدما وجها له ضربة سياسية قوية من خلال فتح قنوات تفاوض مباشرة مع حركة حماس.

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك